Shaker Laibi

رفائيل بطي (1898-1954) : رائداً لقصيدة النثر

شاكر لعـيـبـي

 

كل العجب من إصرار ناظمين على التمسك بالوزن والقافية… إن المستقبل للشعر المنثور، رفائيل بطي، بتاريخ 22-2-1926

 

يبدو أن قراءة متمعنة في تاريخ العراقي الأدبي الحديث، ستعيد غربلة بعض الاعتبارات والأولويات والبداهات المتوارثة بشأن تطور الكتابة والتحول في الحساسية الشعرية

أول هذه البداهات أن (النهضة) العربية الفعلية لم تصل جد متأخرة إلى العراق، كما يجري التلميح عادة، مقارنة بوصل قطارها إلى مصر وبلاد الشام. من المثير للفضول رؤية أن التطورات الخارجية، الموضوعية، في ذينيك البلدين، وعلى رأسها الحملة الفرنسية في مصر وتطور معارف الموارنة في لبنان بدعم فرنسي متواصل، لم تكن، هذه المؤثرات الخارجية لتلتقي بمثيل لها في العراق الذي مضى، رغم ذلك، قدماً، عبر أسماء معدودة لكن جذرية، في تطوير ثقافته وأدبه. إن ثقل الموروث، المهيمن في العراق كان يمنع، في الغالب، من رؤية حقيقة هذا الاستعداد الدفين في الثقافة العراقية للاندفاع نحو المجاهيل وإطلاق الأفكار الجديدة (أو استعارتها بجرأة)، من أجل تثبيتها في بيئة تعاني من موروثات روحية وإرث اجتماعي شديد الوطأة

منذ عشرينات القرن الماضي حتى خمسيناته، ثمة مفاجآت متواصلة في ثقافة العراق لا تدل على إيغال في التأخر المعرفي لدى النخبة: لقد تُرجم كتاب جان جاك روسو (العقد الاجتماعي) سنة 1951من طرف إبراهيم عبد الرحمن الخال (مطبعة التفيض الأهلية، بغداد)، وترجم شاعر مثل طاغور (جني الثمار، ترجمة أكرم الوتري، مطبعة دار المعرفة، بغداد، في بداية الخمسينات) قبل أن يٌترجم في مكان آخر من العالم العربي، وتُرجم جزء من ديوان بودلير المشهور (أزهار الشر) تحت عنوان (من أزهار الشر) من طرف إلياس داود أصلان (مطبعة الرابطة، بغداد 1950)، ولقد جرى الانتباه منذ الأربعينات إلى قضايا سياسية مثل النظام الفيدرالي، مثلما يبرهن كتاب الدكتور بديع شريف: (الفيدرال: بحث في نظام الاتحاد السويسري، بغداد 1949)، وقضايا اجتماعية بالغة الخطورة منذ العشرينات وهو ما يبرهن عليه كتاب توفيق الفكيكي (الحجاب والسفور) المطبوع في بغداد سنة 1927

 

وفيما يتعلق (بالشعر الحر) فإننا نعلم أن مغامرات الشعراء الرومانسيين الوجودية، وحرقة جماعة أبولو وذهاب العديد من الشعراء اللبنانيين إلى مهاجر متنوعة (نيويورك وسان باولو وغيرهما) لم تكن كلها لتقودهم إلى التفتق عن فكرة جذرية: هجران (وحدة البيت) والتشبث (بوحدة التفعيلة). ولقد فعل الشعراء في العراق، مما يبدو معه أن وطأة التخلف وثقل النـزعات المدرسية وشدة الضغط الاجتماعي، العائلي والعشائري والأخلاقي، كانت تذهب، بشكل جدلي، إلى خلق نقائض راديكالية للتخلف، غير متوقعة ومن دون الكثير من المقدمات المنطقية والتراكمات الواجبة شكلياً من أجل قيام حركات التجديد. هذه القفزات النوعية ربما كانت ردة فعل على التخلف العام في البلد. لقد وقفت النخب على الدوام بتعارض جوهري مع الإجماع غير المبرهن علية وضد بداهات الثقافات المتأخرة.

وبالنتيجة سيطلع السياب مبدعاً ومنظراً لوحدة البيت وللشعر العربي الحديث. ولقد كان يصطدم يمنة ويسرة، أثناء حياته الشهبية، بذلك الاجماع. ومما حقق شهرة واتساعاً للشعر الحر في العالم العربي، هو أن الفكرة المطروحة يومها كانت تمتلك منطقاً صارماً، إضافة إلى أمرين آخرين: الأول هو أن حدود المعرفة كانت آخذة بالاتساع والانتشار عبر تزايد أعداد المتعلمين. والثاني هو انفتاح العقول النسبي، النسبي جداً، على إمكانيات التحديث، بل الرغبة الجامحة بالدخول إلى أبهاء العالم الحديث. هذان الشرطان لم يكونوا قد توفرا في سنة 1920 عندما كتب رفائيل بطي أولى قصائده النثرية كما سنرى، وهو أمر كان يمنعه، كما منع مجايليه اللبنانيين الذين ربما استلهم بعض الأفكار منهم، من أن يصيرو حقيقة ثقافية معروفة وثابتة. على العكس من ذلك فقد دفع الظرف الموضوعي إنجازاتهم ومحاولاتهم الجنينية إلى مجاهيل النسيان المطلق

نقول ذلك ونحن نعتقد أن أول مجموعة من الشعر المسمى يومها (بالشعر المنثور) في العراق، إنما هي مجموعة العراقي رفائيل بطي (الربيعيات)

 

لقد طبعت هذه المجموعة سنة 1925، وهي تشتمل على أربع عشرة قصيدة في مائة صفحة من القطع الصغير، وقصائدها مذيلة بتواريخ تعود إلى الأعوام 1920-1925 . وكانت المجموعة من منشورات مجلة (الحرية) التي كان بطي نفسه يرأس تحريرها. إن عنواناً يشيع فكرة (الحرية) في الشارع العراقي سنوات العشرينات، هو دليل إضافي على فكرة التجديد التي كانت تعتمل في رأس الرجل

 

لكن أليس من المثير حقاً أن نرى أن أول (قصيدة نثر) مكتوبة في العراق ترقى لسنة 1920؟ وبالطبع فإننا هنا نتحدث عن نص سيوصَّف على أنه أقرب إلى الخاطرة كما نقول اليوم مما هو لفهمنا الحالي للشعر الحديث. لكن يجب أن لا ننس البتة أن هذه الخاطرة نفسها وليس شيئاً سواها هو ما كان يشكِّل جوهر ومادة الشعر الموزون المقفى في زمن رفائيل بطي. كانت الفكرة المعتبرة من طينة شعرية، الخاطرة، هي التي توضع يومذاك في قالب موزون وتصير بالتالي نصاً شعرياً تقليدياً

كان الهمُّ الجذري لبطي هو الذهاب في تلك المجموعة إلى ما كان يعتبره (الشعري) و(الشعرية) من دون أن يتمسك بالعدة الكلاسيكية، الوزن والقافية. هنا تقع كل الإثارة في هذه المجموعة، وفي جميع المجاميع المماثلة الممكنة المكتوبة في لبنان خاصة في تلك الفترة

 

كان بطي مقتنعاً تماماً بأنه يكتب الشعر وليس شيئاً آخر بحيث أن عناوين قطعه لا تختلف عن ذاك النمط من العناوين السائدة في الشعر الموزون المعاصر له. كتب بطي يقول في مذكراته: "نمت البارحة بشيء من القلق، لا أعلم المصير، وقد استيقظت وأخرجت بعض القطع الأدبية لي لضمها إلى كتاب (الربيعيات) الذي أهم بطبعه، وبعد يومين، نشرت لي جريدة (المفيد) البغدادية مقال (يقظة الجمال) وهي فصل من (الربيعيات) إلا أنها شحنته بالأغلاط المطبعية"

رغم أنه يستخدم المفردة (مقال) في وصف قطعته (يقظة الجمال)، فإن بطي كان يتمسك بفكرة أن ما يكتبه هو نوع من الشعر وليس ضرباً إبداعياً آخر، بل أن وعيه النقدي حول الموضوع كان يذهب إلى مدى عميق وهو يلقي بشذرات نقدية عن (قصيدة النثر) مما يمكن أن يكون بعض كلامنا المعاصر. كتب يقول سنة 1926

"سألني حليم دموس، الشاعر الناثر في بيروت أن أكتب رأيي في الشعر العصري في ستة أسطر لينشرها بخطي مع رسمي في مجموعته الشعرية (المثالث والمثاني)، فأجبته بما يأتي: أما ومدى العاطفة والحس والخيال لا يقف عند حد، فالعجيب كل العجب من إصرار ناظمين على التمسك بالوزن والقافية (واعتقادي) أن المستقبل للشعر المنثور.."

لقد كتب رفائيل بطي هذا الكلام في أواسط العشرينات أي بوقت أبكر كثيراً من التطورات الجذرية في بنية وروح الشعر العربي الحديث. وهو كلام كان يشدّد على الفكرة الأساسية التي ينطلق منها التصور الحالي لقصيدة النثر: لا الوزن ولا القافية لوحدهما ما يمنح الكلام شعريته. أما اعتقاده أن المستقبل للشعر المنثور فهو نبوءة مبكرة مدهشة تستحق التأمل، وتدلُّ قبل كل أمر على رسوخ قناعته بالأشكال الجديدة، المتوالدة من الحاجات والضرورات الروحية والإنسانية المستجدة على الدوام

 

كان رفائيل بطي رجلاً حاذقاً مؤمناً بفكرة التطور، وبضرورة هجران الأشكال التعبيرية التي استهلكت نفسها، وسيقول الشيء ذاته فيما بعد عن أشكال الممارسة الاجتماعية في سجالاته المعروفة في الحياة السياسية والبرلمانية. إن جرأته المبكرة كانت موضع إعجاب وتقدير معاصريه، في مصر ولبنان وليس في العراق، ممن كانوا يشددون بشكل أخص، في الحقيقة، على نزعة (الحداثة) في كتابه (الربيعيات). فلقد كتبت (الهلال) المصرية في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر تقول: "رفائيل بطي من رجال الأدب الظاهرين في العراق (..) فهو على الدوام مهموم بالأدب الحديث في الأقطار العربية، وقد جمع مجلداً صغيراً يحتوي على مائة صفحة من بعض المقالات التي نشرها في صحف العراق، وأكثر هذه المقالات خيالي ولكنها كلها تنبض بالإحساس والعاطفة. فمنها الحب المكتوم، والحياة الجديدة، وأوراق الخريف..". علينا أن لا نعير كبير بال لتوصيف المجلة لخطرات بطي النثرية (ما يسميه هو بالشعر المنثور)، بصفتها (مقالات) وأن ننتبه إلى تشديدها على (خياليتها) وحساسيتها التي كانت تمرق مروقاً فاضحاً على تحديدات ومصطلحات محرر (الهلال)

 

أما (المقتطف) المصرية فقد كتبت عن (الربيعيات) مقالة مثيرة وثورية لأنها تستخدم مفردات أخرى أقرب للمصطلح الشعري مما هي إلى مصطلح المقالة

"هذا النوع من الإنشاء حديثٌ، يقوم مقام الشعر ولا يُقيَّد بالأوزان والقوافي مثله، فيأتي على لفظه قدر معناه"

هذه الشهادة باهرة للتدليل على ريادة رفائيل بطي في كتابة قصيدة النثر، في العراق أقلها. على أن صحافة ذلك الوقت لم تكن تمتلك الوعي النقدي اللازم للتفريق بين المعاني، وبين معاني المعاني، ورؤية، مثلاً، تلك المسافة الواقعة بين الشعر والنثر التي أسميناها اليوم (قصيدة النثر). لكنها كانت تحدس في كتابات بطي ممارسة لا علاقة لها بالنثر السائد بينما هي تقترب من روح الممارسة الشعرية الرومانسية. لم تكن تلك الكتابات بقادرة على وصف القطيعة التي مارستها كتابة رفائيل بطي مع النثر المألوف، ودخولها إلى حقل من الشعر غير المألوف بالنسبة لسنوات العشرينات

 

ستستخدم مجلة (المشرق) البيروتية في العدد 10-1925مصطلح (الشعر النثري) كذلك في تقديمها للمجموعة معلنة مخاوفها من تحول هذا النمط من الكتابة إلى ظاهرة ثقافية

"هذه الربيعيات زهرات اقتطفها صاحبها من مجلته (الحرية)، فجاءت طاقة من زهور منمقة تختلف لوناً ورائحة وقيمة. بينها كثير مما يدعى اليوم بالشعر النثري مما يستحبه ذوق بعض المصريين ويراه غيرهم شقشقة لسان دون كبير جدوى. والله يستر البلاد إن انتشرت هذه الطريقة الكتابية في أقطارنا. فيتلهى القراء بالقشرة ويهملون اللباب" (التوقيع ل. ش)

أما مجلة (الخدر) الصادرة في عاليه في لبنان لصاحبتها الآنسة عفيفة فندي صعب فقد كتبت بالنبرة نفسها، في الجزء الثالث من المجلد السابع المؤرخ بكانون الأول / ديسمبر 1925 تقول

"أسلوب (الربيعيات) هو الشعر المنثور الذي يكثر مع الأيام بحدود في الأدب العربي. والروح السائد فيه روح شباب حساس متألم مفعم بالرجاء.."

لم يسلم رفائيل بطي من التهمة الجاهزة التي ما زالت سائدة حتى اليوم القائلة أن الحداثة والتجديد يرميان إلى تفتيت القواعد المألوفة. يذكر بطي في مذكراته يوم 27-6-1926: "كتب الشخص المدعو أحمد حامد الصراف (..) الطعن فيَّ وزعم أني أكثرت اللحن في خطبتي وهذه كذبة سخيفة. وما تبقى من أكاذيب مختلقة مثل إني أقصد بالجديد ترك القواعد، وهذا من السخف بمكان، لأنني قلت أن هناك روابط شديدة وعراقيل في القواعد تحول دون رقي الأدب العربي"

 

لقد كان بطي يشدد على ضرورة حضور الجانب الجمالي (ما يسميه بالفن) في القصيدة قبل حضور النظم: "إذا قسنا أدب العراق لا نجده يمثل الأدب الصحيح إلا في النادر، (..) أن أدب العراق، أدب النظم فقط ليس عندنا كتاب فنيون بالمعنى الحق". وانظر كذلك بهذا الشأن نقده لترجمة طانيوس عبده للروايات التي "لا ينقلها نقلاً فنياً"

 

ومن أجل معرفة أصول النـزوع التجديدي لبطي، علينا أن نتوقف أمام شغفه المبكر بجبران خليل جبران كما بنقده القاسي للإكليروس الكنسي. هذان المفصلان يجليان حقيقة الأمر عن نزعته المتمردة (المسماة يومها روحه الثائرة) والتجديدية. كتب يقول: "كتبت قطعة بعنوان (الزهرة الذابلة) سنة 1915 وقرأتها لإخواني في باشطابية (الموصل) على أنها لجبران خليل جبران، فجنوا بها، ثم لما علموا أنها لي، صاروا ينتقدونها". وكانت أولى محاولاته في الكتابة الأدبية هو ما نشره في مجلة (النادي العلمي) في الموصل في 15 كانون الأول ديسمبر 1919. عند وصوله إلى بغداد، بدأ ينشر في مجلة (دار السلام) ومجلة (اللسان) وجريدة (العراق) و(الناشئة)، ثم أنه أنشأ مع عبد الجليل رزق الله مجلة (الحرية) في تموز 1924. وكان قد أصدر قبل ذلك سنة 1922 كتابه (سحر الشعر) تضمن نخبة من أدباء العصر من (العرب والإفرنج) منهم الزهاوي والرصافي والمنفلوطي والرافعي. من اللافت أن جريدة (العاصمة البغدادية) كتبت في تقريض الكتاب عبارة تدلُّ على ولع بطي (بالنثري) في سياق الشعر: "مجموعة أدب نفيسة عنى جامعها بانتخاب أحسن ما قيل عن الشعر نثراً ونظماً"

 

أما نقده للفكر الأكليروسي المسيحي، وغيره، فيشكل بعداً جوهرياً في فهم علاقته بالحداثة: "وقد قضيت المساء في صحبة توفيق السمعاني، شاب من أعمال الموصل. كان قد تهيأ للتقسس ثم استهوته محاسن الجنس اللطيف فنفر عن الأكليريكية وظل متمسكاً ببعض التقاليد الموروثة حتى فتح الله عليه أن اطلع على آثار جماعة من أحرار الفكر فنشز عن دائرة التقليد وهو الآن في نظر الأكليروس ينحدر إلى الهاوية وفي نظر الأحرار يعلو إلى قمة العقل- 1925". وكتب: "هؤلاء الرهبان، مع أنهم منعزلون عن الدنيا، فهم أحرص من أهل الدنيا على المال". وكتب يوم 11-9-1925يرد على الطاعنين عليه بسبب انتقاده للزهاوي، والملمحين إلى نصرانيته يقول بنبرة أقرب للإلحاد منها إلى شيء آخر: "أما نصرانيتي، فلا ذنب لي بها. والحق أقول أنني لا أعترف بنصرانيتي أو الإسلام أو اليهودية وأجحد الأديان كلها. وأعتقد أن الإنسان يجب أن يعيش طليقاً منها كلها وأن يتخذ المبدأ الأخلاقي العالي ديناً له". ومثل ذلك في تعليقه على مقال للدكتور حسين هيكل

 

وفي ظننا فأن توقف رفائيل بطي عن المضي في تطوير تجربته في الشعر المنثور هذه تجد تبريراتها في انشغاله الكامل بالكتابة السياسية والفكرية والتاريخية، من جهة، ومن جهة أخرى في عدم تقبل الثقافة العراقية في العشرينات مثل هذا النمط في الكتابة، وهو ما تدل عليه ملاحظات وتقريظات الصحافة اللبنانية والمصرية (للربيعيات) مقارنة بالصمت المريب لصحافة العراق بل نقدها القاسي له. وفي الحقيقة فقد برهنت الثقافة العراقية طيلة القرن العشرين على نزعة محافظة، ضاربة بأطنابها، نزعة لا علاقة لها بالمزاعم اللفظية كما لا علاقة لها بالفعل الخلاق، التجديدي للمبدعين العراقيين الذين ضربوا صفحا عنها ووجدوا السند والدعم في أماكن أخرى من العالم العربي

 

لن تكشف قراءة نقدية لربيعيات رفائيل بطي عن شاعر باهر بالضرورة، ولن تضعنا أمام ما نبحث عنه اليوم في الشعر، موزونا ومنثوراً، سوى أن ما يبدو مهماً في محاولة بطي هو هذا الوعي المبكر والحاد والنفاذ الذي كان يسعى للمزج بين النوعين الشعري والنثري، من اجل استخلاص نص جديد يقف على التخوم بين الاثنين. وما هو مذهل فيها كذلك هو هذا الوعي المقال، من دون ذرة من المواربة، بأن ما يخلق الشعر ليس الوزن ولا القافية. إن تفكيراً ناصعاً بهذه الاتجاه نادراً ما قيل في تلك الفترة. يخيل للبعض في ثقافتنا المعاصرة، بعد أكثر من ثمانين سنة من نظرات بطي النادرة بشأن (الشعر المنثور)، أنهم يأتون بتفكير جديد عن موضوع (قصيدة النثر). وهم كبير يجب أن يدفعنا نحو المزيد من التواضع والاعتدال

علينا إعادة الاعتبار لرفائيل بطي بوصفه رائداً لقصيدة النثر

جنيف في 20-12-2001