قراطيس العائد

 

رَفعَتْ أمي العجينةَ التي ستُشكّلُ وجهَ البلادْ

نثرتِ الملحَ في الهواءْ

نثرتْ ماءَ الوردِ على رؤوس الأشهادْ

عاليةٌ حيطانُ البُراق

عاليةٌ سماواتُ الآس

نثرتْ ماءَ الورد

على الوجوهِ الموشومةِ بالجدريِّ

أنا من طالعِ الجدي

لكنني أمشي في درب التبّانة

أنا من برجِ الحوتْ

لكنني محبوسٌ قربَ عَرِيْنِ الأَسَدْ

لا أُسُوْدَ على ضِفافِ الفُراتْ

لا أسلحة

كم عجيبة ستنضج إذن بين يديها؟

كم جدي سيقفز جذلاً في المراعي؟

كم من الرُعاةْ

سيرعون في حدائق الدم؟

كم من الغُلاةْ

سيصرخون في وجه الطفل المولود للتو؟

كم من ذربي اللسان سينفثون السحر

في هذه الأرض المَوَاتْ؟

كم من السواد يكفي

لكي ينجلي السواد عن أرض السواد؟

 

 

عاليةٌ سماوات الحيوان الثاغي وراء السياج

عاريةٌ الأشواك على أطراف الزهرة المرتجفة في الفلاة

كم من العجين يلزم لإنشاء عمارة العجيب

كم من الأولاد يكفون لإنجاز الحرب الأخيره

كم من الفلذاتْ

ستطفر منا لكي ينسجم العالم مع نفسه

 

 

القطةُ مائلةٌ على الحائط

والعجينةُ ماثلةٌ في الجرن

والظلالُ تسقط فوق أرضِ العراقْ

لم يمرّ البُراقْ

 فوق سهوبِهِ الخصبهْ

لم تُنجزِ المعاركُ فوقَ مخدّاتِ صبياتِهِ

لم يهجرِ الغرابُ سوقَ كتبِهِ القديمة

لم يهاجر الأكرادُ في أساطيره

العربُ لوحدهم غادروا الحصون

العربُ وحدهم...

 

 

نَبَشَ الجراحون في آثارِهِ

الحكماءُ تبذّلوا في حاناتِهِ

بكى الأرمنُ في محميّاتِهِم

الآشوريونَ والصابئةُ والديلم والمجوس واليزيديون والأعراب

انحدروا جميعاً بقطعانهم في شمسِهِ الساطعهْ

 

 

نقطةُ دمٍ تتلألأ على العجينة رغم ذلك

فمٌ طالعٌ من الحائطِ صارخاً رغم ذلك

يدُ متفتتةٌ مثل آجرّة تلّوحُ، رغم ذلك، للقادمين

عين كبرى تبرق في ظلمةِ السرداب

أخٌ بارزٌ لأخٍ

كفٌ عاريةٌ تلوي عنقَ القَدَرِ الثَمِلِ

المتمرّغِ في وحلِهِ

جرحٌ بالغٌ يُناجي جرحاً بليغاً

ريشُ الغرابِ يتساقط على كلِّ سطح

 

 

لا أحدَ يُصغي لطفيفٍ هشٍ

لا حكمةَ تُصغي لجريرتي

لا منفى يشابهُ رمادي

القاعةُ تبرقُ بشرارِ العيون

والسماءُ تخفقُ بالأجنحهْ

 

 

النيازكُ حجارةُ العراقْ

والأقمارُ مطيّتهُ

أَفِلَ الآفلونَ وجاءَ الأفّاكونْ

انطفى سراجُ الملوكْ

وأضاءَ ظلمُ ذوي القربى

سأقهقه كما قهقهتُ منذُ حين:

هه هه هه هه هه هه هه هه ههههههههاي

 

 

الرغيفُ ساخنٌ فوق الموائد التي لم تطعمني

المجدُ لضعفي في الحصون التي لم تؤوني

الأسنانُ اللمّاعةُ تبرق في صيفي

قمصاني الساذجةُ خفّاقةٌ على شواطئ البحرينْ

الكحلُ عارٍ كذلك في عينيَّ

نسائي وطرائدي وجرائمي  نوّاسةٌ مع عقربِ الساعة

وأنا أتأرجح بين القطبينْ

هه هه هه هه هه هه هه هه

الأهلّة متكسّرةٌ على عتباتي المقدّسهْ

والعطورُ مأخوذةٌ بالتماعاتِ السكاكين النفّاذةِ للتوّ في الجلودْ

قبور فراتي الأوسط ساطعةٌ مع ارتجافاتِ القمر اليتيم

هه هه هه هه هه هه هه هه هههاي

طَفَحَ كيلي وطفحتْ رغوتي

أيتها البنت دلّيني على أريج زهرتِكِ السوداءْ

أيتها العمائرُ التمعي زمنَ المجاعهْ

أيها الشَّاردونَ بين الجبالِ لا تأكلوا الظبي

لأظلافِهِ التماعٌ على العشب

ولعينيه الكثير من عينيَّ

أيها المهاجرون عُوْدوا المكانَ المريض

 

 

العالمُ أنثى

العالمُ خنثى

العالمُ نائمٌ في قطرة الندى

الساقطةِ من ورقةٍ قربَ سياج الحدودْ

العالمُ صفصافةٌ نثرتْ شعرَهَا على شطّ الرصافهْ

سأقول الآن كبرياتِ هفواتي:

إنني تمتمتُ باسمِهِ في الغرفة المظلمهْ

سأعترف الآن أمامَ كاهناتِ البلادْ:

إنني تتبعتُ الماضي على أحجارِهِ

العالم صَفْصَفٌ دونَهُ

هه هه هه هه هه هه هه هه

ومن دونِهِ منفى أوسعُ من خزف الصحن المكسور

ومن دونه الشواربُ التي يذرق الصقرُ عليها

لم تقل امرأتي: هيتَ لكْ

لم تقل امرأة الحانة: هيتَ للعابرين

قالت: تجلدْ

وتتبعْ طرفَ العشبة النابتة مصادفةً في الدرب

فسوف تقودك إليه

جَلَّ جلالُهُ مكتوبٌ على أحناكِ الأعرابيات العاجنات

 

 

طفرتِ العجينةُ إلى روح النار

لم يبقَ لي أبٌ سواهْ

لم تبقَ لي زجاجةٌ أضع فيها الرمادَ عداهْ

سأبعثر أوراقي في رياحِهِ

سأبعثر الرياحين في حبائلِهِ

وأقهقهُ

وأقهقه وحدي كالبيت المخبونْ

ليس لي أبٌ عداهْ

ليس للرمادِ فضاءٌ سواهْ

 

 

خارج العراق- الشهر الخامس من سنة 2003 الميلادية