هفواتُ الخطوةِ الأولى

 

خَسِرتُ رهانَ اللغةِ المعصومةِ من ترْدَادِ الفوضى

 

 

الأكاسيا تفوحُ

تحتَ عريشِ السيّدات اللواتي أقَمْنَ الموائدَ على شاطئ النهر

أصابع أقدامهِنَّ مُبْتَلّةٌ بندى العشب الطالع للتو

وتكويرة رأسي تنعكس قُرْبـَهُنَّ على صفحة الماء

 

 

خلفى حداةٌ وحيدةٌ لا تشبه إلا حداةً وحيدةْ

وبعدها تقفُ البلادْ

 

 

الأزهارُ خطايا تحت سحابٍ عابرٍ

والسهولُ منافٍ خضراء

 

 

لم أجدْ ملعقتي الفضّيةَ في جُرابي

لم يجدْ ضيفي صحنَهُ النحاسي

لم أجدْ قاضيتي في المدينة القريبة

لكي نترافعَ وفقَ دُسْتُور الفناء

 

 

خسرتُ رهافةَ الحيّةِ التي مرّتْ قربَ خيمتي

خسرتُ الَملاسَة بمجالسة إخْوَةٍ لي غائبين

كنتُ أتكئ على العَدَمْ

وانتظرُ عِيْدَ بَرْبارهْ

العبدُ وحدَهُ مرَّ مُسْتعجِلاً تحتَ الكَرَمَة

الأمطارُ لم تكن مُشعثةَ الشَعْرِ

ولا النساءُ بنادباتٍ جيّداتٍ في مأتم العالمِ الكبيرْ

الكلّ كان أخاً لأخٍ مُهاجِرٍ

الِمدْيَة تلتمّ ساهيةً في الدم

النُوّمُ ينامون على عُشبٍ أكله للتوّ الجراد

 

 

خسرتُ الجَمَالَ الأوّلَ في رَمْيِةِ النرد الأولى

خسرتُ رهاني للفوز بالأقمار السوداء على صدر عشيقتي

بَقّعَتِ الرطوبةُ صحائفَ البلادِ على طاولتي

الحائط تمشّى خطواتٍ قليلةٍ قبل انفراط عقده أمام ناظريّ

وبكّى الحمّالون والعتّالون على عتباتِ العام الجديد

الصَّاغةُ كذلكَ انصاعوا لدورةِ الخاتم

 

 

خسرتُ حصاني في سِبَاق الموتى

الصاعقةُ ضربتِ الماعونَ الذي يأكلُ الأيتامُ فيه

البرقُ أضاءَ قبل ذلك عَوْراتِ الهاربين

أضاءَ شبابيكَ الورّاقين المقوَّسَة على قلبي

أضاءَ أزقةَ المغنّين الأَرِقِيْن في ليلٍ بهيمْ

الشعراء كانوا يطاردون الفراشات الخرساء من هواءٍ لهواء

الصيارفة مازالوا يُقَلَّبونَ فوق جمجمتي تِبْرَ الزمانْ

وكان الساسةُ يقودون ثورَ القريةِ من قرنيه في حقول الرز

 

 

خسرتُ الأوزانَ من أجل مَشْية الحَجَلْ

خسرتُ اللذّةَ الصغيرةَ من أجل رَنّة الخلخال الكبيرةِ على العُرْقوْبِ الممتلئ

 

 

كنتُ بصيرةً تتكئ على عصا الراعي لكي لا تصلْ

ارتعدتْ فرائصي مع ريحِ الشمال التي تخترقها النحلةُ الجسورة

 

 

يا إلهي ها هي ذي الروائحُ تتبعثرُ من أجسادِ الصبيّات

بعد خروجهنَّ من الحُمْرة الأولى

 

 

ها هو ذا البرتقال ناعسٌ يتدلّى في هواء البستان

ها هم النُحاةُ يغمسون أصابعَهَمْ في سُكُونِ لغتي

ها هو الليمونُ يبكي أحمقَ في حرارة تموز

 

 

حذائي الأبيض سعيدٌ وهو يجتاز الورقَ الساقطَ سهواً في الممْشى

الكائناتُ ظلالٌ سعيدةٌ كذلك وهي تجئُ وتمضي على الحائط

لكي لا يشعرَ أحدٌ بـخواء هذا المكانِ

 

 

 

فضاءُ جماعتنا واحدٌ

واجتماعنا حَدَثَ وفق قِرَانٍ فَلَكِيّ

اجْتَمَعْنا في كَهْفِ الرِّجالِ السبعة :

 

1.  الطاووس الفخور بزيِّهِ وحيداً في الكون

2.  الرغبة منطلقةً مع الريح البسيط

3.  الغضب الممتطي صهوةً مطهَّمةً بالحِجَار الكَرِيم

4.  حزن الرِّيفِ الخفيف

5.  البخل بعينيه الدامعتين

6.  شَراهَة القِلادَةِ فوق الجِيْد

7.  الميّت الباذخ يتنقُّلُ في منازلِهِ القمريّة

 

 

أيتها السيّدةُ قُولي شيئاً لي قبلَ أن أنام

 

 

أيها السَّاهرُ أَفِقْ لترى انجلاءَ الحقيقهْ

بعيداً عن الأرنبِ القافزِ في حجرتك

 

 

أيتها الوردةُ في الحديقهْ

تقلّبي في هواء السَّيَداتِ الذَّاهِباتِ إلى عملهنَّ في الصباحْ

 

 

كفّيْ مسرورة ٌوهي تنطوي على كأسِها

 

 

عينيْ عجوزٌ بكّاءٌ لفرط الجَمَال القديم الذي رآهُ

صامتاً في عقر داره

 

 

كتفي مُسَاطٌ بالخلَّبِ من كل نوع

 

 

ظلّيْ مُلقىً بالقُرْبِ من كَثافةِ المادة

 

 

ابتلَّتْ بالندى قلوبي السَّبعةَ المسكونةَ بالخطايا

اُبْتليتُ بالمرجانِ على شِفاهِ عَشِيْقاتي اللواتي كنَّ يقبلنني

بإلحاحٍ فصلاً بعد فصل

 

 

الغادونَ والبادونَ رأوا قَدَمِيْ عاريةً تتقدّمُ على السُلّم

حتى القطة كانتْ تنْسَلُّ من بين ساقيَّ العاريتين في الظَّلام

 

 

في انطوائي عند الشُبّاكِ نِصْفِ المُضَاء بضوءِ القمر

حتى الوهم كانَ كثيفاً

 

 

حتى الأيام كانتْ لي أخواتٌ

حتى الأشجار القليلة في طرف الشارع كانت لي.

 

 

هذه كينونتي إذن: مَحْضُ عناصرَ معدودة.

 

 

هذا عموديَ الفقريُّ المُشَوَّكُ إذن

كأنه خلاصةُ سمكةٍ كنتُ أبْعِدُهُا في طرفِ الصحن

لكي لا أرى إلا إلى شَرَاهَتي

 

 

هذه أعضائي مُبَعْثرةٌ في جلالةِ القبح

الذي لا يريدُ أحدٌ رؤيةَ هِلالِهِ النابضِ في تراب القبر

 

 

ما أجملَ السويعات التي قضيتُها قرب الوَتَدِ الذي رُبِطَ الحصانُ به

ما أعظمَ أهراءات الوهم التي تُطعِمُ المدينة

حيث الجيران ينبضونَ بالفتوّة رغم ذلك

وكنتُ أستنشقُ أنا نفسي عَبَقَ غُرفِهِم السرية

المكتظّةِ بأزهارِ عَبّادِ الشمسِ مغمّضَة العيون

 

 

كانت المدينة مَصْنعاً للكائن

والريفُ غواياتِه الأكثر مائيةً

 

 

خسرتُ، بعد ذلك كلّه، الأشباحَ

لكي أتعلّق بشبحٍ واحدٍ

 

 

خسرتُ النثرَ المبثوث والفصوص الكريمة

وتعلّقتُ بالرَّنينِ الخافتِ لصَفْقِ الأجنحةِ في وُضُحِ النَّهار

 

 

خسرتُ الريحَ الضاربَ في ثيابِ الأيتام

وربحتُ انحناءةَ الجلالِ في معرفة الغامض

 

 

كلامي مسجونٌ في جَرّة المُخلَّلِ المطلّيةِ بالأخضر

 

 

لا عُمْرَ للرملِ المتساقطِ على عتبة العائلة

لا سفحَ لمرعى قطيعِ الخالاتِ الأَسْوَد

 

 

وحدها الأجراسُ تدقُّ في قارةٍ أخرى

لكي يفيقَ النحاسُ من الكابوس

 

 

تجمهرَ القُمْرِيُّ في الباحةِ لالتقاطِ الحَبِّ الرطب

وأمام الدارةِ المتواضعةِ كانتْ تتردّدُ إشاراتُ الناموسْ

وكنتُ مزهواً أحمق

 

 

ريقي ريفٌ

أنفاسي ريحٌ يضربُ ريحاً

 

 

سوّيتُ المنجلَ ذا الأسنانِ الُمسَوَّسَة

وتقدمتُ في البريّة كما كنتُ أتقدّم

 

 

صُنْتُ قَعْرَ الزبّيلِ من البَلَلْ

لكي أقطفَ حمرة التوت

 

 

أبعدتُ الفراشاتِ عن كِتَابِ الحقلِ الذي كنتُ أتعلّم فيه

وكشاهدةٍ وضعتُ حَصاةً بين وَرَقَةٍ ووَرَقَةْ

 

 

وتقدمتُ سعيداً بين الحمقى

                                              

الخليج  9-9-2003