Shaker LAIBI

الإسم الأنثوي الجريح

نساء العرب ومجهولية الأنترنيت

شاكر لعيـبـي

 

لا تقارن رذائل استخدامات الانترنيت بفضائله. فلسنا فحسب في معرض موسوعة مهولة للبشرية في كل حقول المعرفة، لكننا كذلك في معرض التعبير الحر. لكل كائن أن ينشأ لنفسه صفحة، منبراً، مجلة، حقلاً محدداً للتعبير عن نفسه. في المجال الأدبي، صرنا نشهد في العالم العربي حضور منابر ومجلات أدبية على الأنترنيت، ما زال الكثير منها مكرساً لهواة الكتابة. هؤلاء لم يجدوا متنفسات لهم أو إنهم كانوا يتنفسون بصعوبة في العتمة. الكثير من الكتابات موقعة بأسماء مستعارة من طرف سيدات وآنسات عربيات

تلقي إلينا بعض الأقلام بدروس ليست بالضرورة من طبيعة إبداعية ولكنها تشير إلى ضراوة القمع الإجتماعي العربي، الممارس على النساء خاصة

نلاحظ بدءً أن هاته النساء الكريمات مازلن يتخفين بحياء شديد وراء الكلام مثلما تتخفى بعضهن ، في الواقع، في غرفهن وخدورهن. لكننا نرى أن هناك نية عميقة بالتعبير عن الذات المنـزوية ولو بأدوات ضعيفة ولغة إنشائية هشة. إنهنَّ ما زلن لا يفرقن بين الأدب بوصفه سيطرة على الحرفة الكتابية وبين الخاطرة الأدبية، أي العاطفة العابرة القادمة بشكل أساس من حاجة إجتماعية وليس من قلق إبداعي وجودي. هناك إذن هشاشة عالية في هذه التعبيرات وثمة مكبوت عاطفي وأخلاقي وروحي، ليس من طبيعة الأدب دائماً

لكن ما يستوقف بشدة في هذه الكتابات هي وفرة الأسماء المستعارة لهاته السيدات الكاتبات. لماذا يكتبن بأسماء مستعارة؟ لأن جزءً من المجتمع الشرقي المحافظ لا يسمح لهن بعد بإعلان أسمائهن الصريحة. سوف يعتبر هذا الإعلان تجاوزاً على حرمة إجتماعية تتجلى بالسماح للرجال لوحدهم بالتعبير عن حال أفراد المجتمع كله والأسرة بجميع أعضائها. المجتمع العربي هو تركيبة ذكورية كما نعلم، أي أن الذكر فيه لوحده المصدر والمرجعية. أسمه هو الأسم الوحيد طراً، أو الإسم الأبرز الظاهر على بطاقة الأحوال الشخصية. هذا درس سوسيولوجي مفيد يتمظهر في كل المناسبات بما فيها مناسبة الأنترنيت العربي

 

الأمر الآخر هو أن هاته الأسماء المستعارة تخفي أكثر من دلالة 

أولاً: انها تعبر صراحة عن المكبوت عبر استعارات وأسماء مستعارة من قبيل (الحيرانة) (أحلام) (فتاة الوصل) (عنود) (دمعة) (الغريبة) (الجريئة)-الأسماء هذه وما سيلي مستلة من موقعين اثنين فحسب من المواقع الأدبية العربية-. هناك إذن وعي مبطَّن من طرف نساء العرب بوطأة الحال لكي تصير الكتابة على أيديهن نوعاً من التنفيس المراد به التخلص من وطأة داخلية وإظهار البرم أو التغني بواقع الحال

ثانياً: تعاود هذه الأسماء ملامسة السيرة التاريخية العربية التي كانت المرأة تمثل فيها تنميطاً ومثالاً ورمزاً للكائن العزيز المعشوق والمعبود حتى لو تخفى في خدره. فأسماء مستعارة مثل (بلقيس) (الملكة) (خنساء نجد) (الشيماء) (نمارق) (سمر)..الخ تريد استعادة مجد معشوقات العرب الكبيرات هند وبثينة وعبلة والذلفاء، وذلك من أجل إعادة الإعتبار للمرأة العربية بوصفها العطر الضروري للكائن وللوجود العربي. فإذا لم تكن هاته السيدات الكاتبات بقادرات بعد على إعادة الإعتبار لذواتهن علناً فأنهنَّ يسعين لهذا الهدف عبر (المتخيَّل) الذي يتلبس لبوس الإسم المستعار. هذا الأسم يصير لهذا السبب تعبيراً عن (الإسم الأنثوي الجريح) إذا سُمح لنا استعارة عنوان كتاب عبد الكريم الخطيبي (الإسم العربي الجريح)

ثالثاً: تعلن هذه الأسماء بشكل أساسي عن الفضاء الرومانسي الهش الذي تجد المرأة العربية نفسها فيه. ها هي خياراتهن: (رمال الرياض) (رهف) (راعية الدوحة) (زهرة البنفسج) (أميرة البنفسج) (وسن) (أميرة الشعر)..إلخ. يبشِّر الفضاء الروحي لأسمائهن بحلم لازوردي وبعوالم من النعومة والضعف والانكسار والاستلاب خاصة أمام الطبيعية، وهي دائماً طبيعة متخيَّلة تجاوزها كلها النص الحديث. ان الاندغام السالب بالمشهد الطبيعي هو انشغال من انشغالات القرن الثامن عشر والتاسع عشر وقد جرى تخطيها والذهاب الى نبش الطبيعة بل تدميرها كما هو حاصل في الكوارث البيئية المعروفة

إذا ما تركنا الأسماء جانباً وذهبنا الى النصوص فان الهشاشة عينها ما سوف يتبدى لنا مرة أخرى. ثمة نعومة مفرطة زائدة عن الحد ليست بالضرورة من طبيعة الأنثى كما يقال لنا عادة. ثمة رؤية حالمة إلى درجة الخدر وإلغاء للواقع نفسه، ثمة تجوال على سطوح الأشياء عبر موضوعات مباشرة جداً بل مسطحة (الأم، الحبيب المفارِق، الجميل والقبيح، الهجران، الغربة، الدموع المسفوكة في الغروب، العائلة). ثمة نفي للذات في تركيبة أدبية مسبقة الصنع أو متخيَّلة، ثمة تقديس للرجل بوصفه الجدار الحامي الأخير، ثم ثمة اندهاش وصدمة مفتعلة ومنفعلة بأشياء العالم التي يمكن أن تطلع منها دروس شعرية وأدبية أخرى. ثمة (ذات) تظن أن ما تعلنه هي إنما هو الحقيقة بعينها. وأخيراً ثمة إطلاقات كبيرة عن فكرة الحقيقة المقالة وكأنها بالفعل هي (الحقيقة) المطلقة طالما مستها كلمات هاته الكاتبات الفاضلات

هذه الكلمة لا تنتوي التقليل من شأن فعل نسائنا، على العكس فانها تزعم إبراز ما تراه خللاً في حياتنا العربية المعبر عنه عبر أقلامهن. سنظل نقرأ خواطرهن وكلماتهن الرقيقة، لكننا نعتقد أن النص الأدبي لا ينتعش لا في إطار القسوة المشهرة على النمط العربي ولا عبر الرقة والذوبان الكامل على نمط كتاباتهن الرومانسية التي تجاوزتها القرون

العودة الى صفحة المقالات