عمود  المسرحي جواد الأسدي في مجلة المرأة اليوم عن الشاعر

 

ليس في المنافي الثقيلة ما يجعل اللعيبي شاكر ودوداً مع الأمكنة، أو رحيماً مع صورته التي يحملها من النوم إلى المرآة، ومن المرآة إلى الدروب، متابِعاً وجوه ويوميات ونصوص أصدقائه المرميين في الأصقاع النائية، حيث دأب بمؤانسة خفيفة الروح على عقد اشتباكات ثقافية عالية البوح والنقاء في محاولة منه لتعميم صورة الجدل الحرّ مع عدد كبير من مثقفي المنافي الذين تحوّلوا إلى صورة لأقنعة الآخرين، لكي يبقى شاكر لعيبي قي فرادة روح نصوصه وشهيته العالية للتخطي، واحداً من مشعلي حرائق الحوارات الضارية، الضاربة في أرض الشعر، معولا في الوقت نفسه على مرتكزات تحولت إلى ظلالٍ لقصائده، الرسم مثلاً وإعادة تدوير وتركيب المخيّلة على أجساد ووجوه عارمة تستنهض الحنين والارتباط برحم العالم المكسور على قمة حجره الصقيلي. في أحيان أخرى يميل شاكر نحو جماليات البحث عن المستور في وجوه الكائنات النحتية المختبئة خلف الأبواب، الأبواب والنقوش عليها وحولها، وفي عمقها البعيد ذهاباً نحو القصيدة بسرية النار.

كان يجلس على كرسيٍّ في بيتي في مدينة أبو ظبي، سرقتُ من بين كتبه وهو في غفلة عن ذلك، ديوانه "الحجر الصقيلي" بهدف أن أقلب العناوين والنصوص، دون أن أحس بأني سأقع في مغطس تلك اللذة النادرة في قصائد تهرول سريعاً إلى الروح لتتشابك مع دم الشعر الذي يسكنني. وجدت نفسي محاطاً بخيمة شعرية عالية الجمال واللذة، فتحت الباب أمامي لمعرفة عالم شاكر لعيبي في بحثه الدائم عن التجديد وإطاحة قشرة القصيدة الميتة، منقباً في إمكانات البوح الشعري، المتمرد على كليشيهات الجموع التي تغترف من العادي المعمول عليه.

وشاكر لعيبي في حجره الصقيلي المرفوع إلى حساسية المونتاجية السينمائية يتوغل بعيداً في أبعد أدغال النفس لتحريك كرة اللذة الباحثة عن الاستفزاز والإثارة. وحيداً هذا اللعيبي شاكر أمام أصوات صوته ووجوه وجهه وعناوين قصائده، هناك في بيته الزجاجي وطاولته الأنيسة الميّالة على حافة الشارع، هذا الشاعر المسكون بالذهول والرعود والصراخ، وشهية اكتشاف الفراديس في النساء، والنساء في النصوص. النساء، النساء، بنات أمه، وأخوات أخته، وحبيبات حبه المجروح أبداً بالانتظار، بينما دخان سيجائره ينصب له أرجوحة الضباب والرحيل في قطارات جنيف الذاهبة والقادمة من أوربا، مهجعه المؤقت نحو سكك ودروب العراق.. الحجيم!

شاكر لعيبي محمول على عينين نفاذتين تتحولان دائماً إلى كاميرا ضخمة تلتقط الأرواح في تشطي أجسادها، وكذلك الراحلين في صعود عرباتهم نحو لوحات تشكيلية مسيجة بالأنهار والأنوار والبوسات ومناديل التحايا الذي سيظل حتى الأبد مشرعاً لشهوات الخبز وصباحات القيمر والنوم على سطوح المنازل. إنه حجر شاكر لعيبي الصقيليّ".

جواد الأسدي

مجلة (المرأة اليوم) 2003