shaker Laibi
www.perso.ch/slaibi
الفن القصصي العربي
...هل هو فن للنساء اليوم؟
شاكر لعـيـبـي
ثمة ظاهرة أدبية جنينية تتقلب تحت سطح المشهد الثقافي العربي، أو تتجلى بشجاعة مرات، وربما سنشهد انفجارها بعد أقل أو أكثر من عقد من الزمن. وهي أن فن القص العربي الحالي يشهد حضور المزيد من الأقلام النسائية، خاصة فن القصة القصيرة
وعلى سبيل المثال، فالقصة القصيرة في اليمن تشهد ولادات مباركة لقاصات جديدات، وهو ما تشهد عليه اسماء مثل آمنة يوسف، ريا أحمد، عزيزة عبد الله، عفاف عبد الله البشيري، محاسن الحواتي، مها ناجي صلاح، نادية الكوكباني، نبيلة الكبسي، نسيم محمد الصرحي، نورا عبدالله زيلع، هدى العطاس وأخريات. بينما المجلات الأدبية العربية، في مصر خاصة، تعلن منذ سنوات الثمانينات طلوع أسماء لامعة في القصة والرواية (ميريال الطحاوي، أحلام مستغانمي، حنان الشيخ...إلخ). الأمر ذاته يمكن أن يُلاحظ في صحافة الخليج والجزيرة العربية
ما الذي يحدث ولماذا تتوجه الأقلام النسائية الجديدة، بكثافة، الى القصة بدلاً من أن تتوجه الى الشعر؟
في الشعر النسائي، جرى انتقاد النـزعات الاسلوبية وبعض الإخفاقات الرومانسية كما بعض الممارسات الإسلوبية المنجزة على أيدي الكثير من الشاعرات العربيات الجديدات. هاته الشاعرات كنَّ يجهدن في التعبير عن خلجات جديدة، روحية وجسدية، ويحاولن إظهار حساسية مختلفة في تعاطي العالم، لم يسمح لها الوسط الثقافي العربي، الذكوري والمنافق، بالنمو الطبيعي: أما مُبالغاً في امتداح بعضهن إلى درجة إشعارهنَّ (بالعبقرية) المبكرة وإسباغ سمات التفرد والتجاوز التي لا محل لها في الحقيقة من الإعراب. وأما مهووساً، لا بأقلامهنَّ، ولكن بحضورهن الفيزيقي في المهرجانات الشعرية والمناسبات الأدبية، لا لقيمة فعلية في نصوص بعضهنَّ ولكن، فحسب، من أجل جمال حضورهن وبهائه
على مستوى الفن القصصي يبدو الأمر مختلفاً، بحيث أن تطوراً طبيعياً يبدو كأمر ممكن تماماً لدى هاته القاصات. فمن جهة لا يوجد بعد ناقد عربي محترف لفن القصة، مثل الناقد الشعري المنافق (المنافق خاصة كلما تعلق الأمر بالجنس الناعم) ومن جهة أخرى لا توجد في العالم العربي بعد عكاظات موسمية مكرسة للقصة القصيرة لكي تُدعى إليها القاصات العربيات، مهرجانات تستعجل إدراج البعض منهن في قائمة الأقلام الأدبية الفذة من دون تمحيص كما هو الحال في الظاهرة الشعرية
لقد سمح هذا السياق للقاصات العربيات بالركون إلى الـملجأ الوحيد الجدير بمشروع كاتب رصين: الكتابة بهدوء والمزيد من الكتابة وتطوير الأدوات الأدبية برفق والتواضع في النشر والبحث عنت محكات نقدية حقيقة يستطعن بها تطوير فنهنَّ
هذه هو الجانب الخارجي من الظاهرة، سوى أن جانبها الأعمق يكمن في أن ثمة صحوة نسائية عربية ثانية، على العالم، لا تنتوي الاندغام بأشيائه عبر اللغة المتخيَّلة والإستعارة الشعرية لكن عبر (التحليل) الذي هو المحرك الأساسي للعمل القصصي
يـُلاحظ المراقب أن الكثير من هاته القاصات قد ولدن في سنوات السبعينات، وفتحن أعينهن في نهاية القرن العشرين. وفي ذلك دلالة صغيرة : كان على العالم العربي انتظار قرن كامل من أجل حضور كبير وواسع لنساء العرب في المشهد الثقافي الذي ظل مكرساً للرجال. كانت هناك بالطبع أصوات نسائية مبدعة في الشعر والرواية وحركة تحرير المرأة (نازك الملائكة في العراق، فدوى طوقان في فلسطين، هدى شعراوي في مصر)، لكن حضوراً كثيفاً على الشاكلة التي نصف لم يحدث، في تقديرنا، الا في بدءً من سنة 2000
لقد تحركت عجلة العالم، كما يبدو، ببطء شديد في عالمنا العربي، ونحن ننتظر قرناً كاملاً من الزمن من أجل رؤية ولادة هذه التظاهرة الأدبية
الجانب الآخر لهذه الظاهرة يقع في وجود ضرورة مطلقة في تناول مجريات العالم العربي بطريقة سردية تحليلية لكن بعيون أنثوية هذه المرة. هذه العيون، أي هذه الرؤية ضرورية من أجل زرع التنوع والاختلاف في تعاطي العالم. فمن المعلوم أن ثمة تفارقاً محدداً بين رؤية الرجال ورؤية النساء للظاهرات والأشياء، في السياسة وفي الحياة اليومية، في الحب وفي الكراهية، في تقييم الجمال والقبح..الخ. تفارق طفيف أو كبير، لا يهمّ، انه تفارق معروف على نطاق واسع من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس. سيحل هذا التفارق في القصة والرواية العربية كذلك منذ الآن فصاعداً، مانحاً القاريء العربي نصوصاً لا ترى بذات العيون التي قد تعود عليهاً طويلاً
ما زالت هذه النصوص جنينية. لكن النصوص الـمتقدمة للروائيات العربيات تعلمنا أن هناك موضوعات حاسمة لك يكن ممكناً معالجتها في الحقيقة إلا على أيديهن، هنَّ المعنيات مباشرة بتلك الموضوعات. لم يعد يهمُّ الحديث مباشرة عن (الرجل) وانتقاده ولكن عن ميكانيكية الظواهر الاجتماعية التي ترى المرأة فيها، من زاويتها، ما لا يستطيع الرجال أحياناً رؤيته
هل سيصير فن القصة القصيرة مكان إقامة المرأة العربية ويتبقى الشعر موطناً للرجال؟ هذا السؤال مطروح من باب الطرفة. لكن طرفةً يمكن أن تـمدُّنـا بـمفاتيح العلوم
العودة الى صفحة المقالات