أقواس
عيسى الشيخ حسن
eassash@hotmail.com

نون النسوة

استضافني أحد المواقع الأدبية على الأنترنت قبل شهر تقريباً ، تعرضت فيها لأسئلة كثيرة من أعضائها ، مناخات أسئلتهم تراوحت بين الاستجواب الذي يتناول في الجانب الشخصي بدافع الفضول ، و الاستفهام عن الأفكار النائسة بين الأدبي والفكري والسياسي ،الأسئلة التي أنفقت وقتاً غير قليل في الإجابة عليها .
غير أن السؤال الذي أجلت الإجابة عليه ، أو تهربت منه كان يخص التجربة النسائية العربية والخليجية في الإبداع ، التجربة المتصاعدة كماً ونوعاً ، إلى الحد الذي ظهر فيه مصطلح الأدب النسائي ، في أواخر السبعينات من القرن الماضي ، بداعي اختلاف المناخ الانفعالي والفكري الذي تكتب فيه المرأة .
السؤال الأكثر جرأة طرحه أحد الأعضاء ، عن حضور نون النسوة القوي في المنتديات الأدبية على الأنترنت ، وعن حجم التقريظ الذي تناله كتاباتهنّ ، بغض النظر عن جودته ، وسأل صاحب السؤال : " متى يتخلص النقاد من المجاملة النونية " .
* ربما كان الكاتب العراقي شاكر لعيبي أجرأ من تطرق لهذه الناحية ، في مقالته : " عن المديح الأعمى لنصوص المبدعات العربيات " الذي نشرته جريدة أخبار الأدب القاهرية قبل سنتين تقريباً .
* اللعيبي أشار إلى ظاهرة التصاعد الكمي في حجم المبدعات العربية ، وإلى الظلم الذي حاق بهن ّ ، من حيث حسبنه إنصافاً ، في المديح المبالغ الذي يدلّل الإبداع ، ويفسده ، ولا يتطاول به عبر آلية النقد : " لم يسمح لها الوسط الثقافي العربي، الذكوري والمنافق، بالنمو الطبيعي: أما مُبالغاً في امتداح بعضهن إلى درجة إشعارهنَّ (بالعبقرية) المبكرة وإسباغ سمات التفرد والتجاوز التي لا محل لها في الحقيقة من الإعراب. وأما مهووساً، لا بأقلامهنَّ، ولكن بحضورهن الفيزيقي في المهرجانات الشعرية والمناسبات الأدبية، لا لقيمة فعلية في نصوص (بعضهنَّ) ولكن، فحسب، من أجل جمال حضورهن وبهائه".
بعد المقال حسبت أن ثورة نسوية ستهب في وجه المقال ، والمفاجأة كانت بعد أسابيع قليلة أن قرأت رداً عليه من روائية سورية " أنيسة عبود " تؤيد ما ذهب إليه المقال . الشيء الذي أكدته الكاتبة المصرية نوال السعداوي في حوار أجري معها مؤخرا.
* وهكذا يرمى أدب المرأة العربية في حيز ضيق من المجاملة الخادعة ، والنقد المتعالي ، دون أن يجد المناخ الطبيعي الذي ينمو داخله ، بالرغم من علو عدد من القامات الإبداعية النسائية ، فروايات أحلام مستغانمي على سبيل المثال تحقق أعلى نسبة مبيعات في المكتبة العربية .. لم يبلغه كاتب من أبناء جيلها ، بالرغم مما يثار من حين إلى آخر بأن يداً أخرى شاركت في كتابة النص ، التهمة التي تكال لأكثر من تجربة إبداعية نسائية ، يضاف إلى تجربة مستغانمي ظهور أكثر من اسم نسوي مزاحم للذكور في المسابقات العربية للإبداع حيث فازت أكثر من سيدة في الآونة الأخيرة بمسابقة إبداعية عربية على سبيل المثال : " أحلام مستغانمي ، نبيلة الزبير ، زكية مال الله ، هالة الخطيب ، هدى الزرعوني ... وأخريات " .
افتقادنا لحركة نقدية جادة عموماً تفرز الغث من الثمين في الركام المتزايد ، يسبب أذى مضاعفاً لأدب المرأة الذي يشهد تصاعداً مشجعاً يملأ ساحة الصحف والمنتديات الأدبية ، وهو بحاجة فعلية إلى حركة فرز سريعة وجريئة ، إذ تختلط بصورة مزعجة تجارب ناضجة ومتطورة ، بتجارب متعثرة لا تزال بحاجة إلى دروس كثيرة في القواعد والإملاء ، لإتقان الكتابة .