شـاكر لعـيـبـي

أيها القارئ لا تقرأ هذه الكلمة رجاءاً

 

لا يشك عاقلٌ أن هناك جملة من الأهداف الثقافية والأيديولوجية التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها  ليس في العراق فحسب وإنما في مجمل المنطقة. إنها، في ظني، تسعى إلى الانتهاء من رهاب مفهومة (الإرهاب) الذي يحرك وعي منظريها وفلاسفتها الليبراليين، كما الحسم مع ما يشكّل تهديدين اثنين بالنسبة لها: وجود أية قوى أخرى في المنطقة غير حليفتها، ووجود أي فكر آخر غير الفكر الذي تبشّر به.

 

بعض هذه الفكر المتأسس على الحرية واحترام الإنسان نحن بحاجة إليه حتى لو جاءنا منها. وهو ما يفسّر حرارة الاستقبال العراقي الأول لطلائع جيشها المحتل.

على أن من الصعوبة بمكان أن تخلق أمريكا (أو غيرها في المنطقة) جيلاً يفكر بطريقتها.

قبل أمريكا، لم يستطع قمع الآلة الفاشية الصدامية طيلة عقود ثلاثة أن يخلق ما حلم به رؤوس البعث، ميشيل عفلق الرومانسي وصدام حسين الدموي.

 

علينا أن نتذكر أن الشعب العراقي ليس لقمة سائغة، وأن ذاكرته حية لأنها ضاربة الجذور بتاريخ معروف. لم يستطع النظام الساقط بجميع القدرات التي يضعها تحت تصرفه بلد غني مثل العراق وبجميع الوسائل التبشرية، مرة بالوعيد وغالباً بالتهديد، إلى تدجين أجيال العراقيين. لقد ذهبت مساعيه من دون طائل. لم تنبثق لهذا السبب التيارات  المتنوعة، القومية واليسارية والدينية، في البلد محض مصادفة سعيدة. كان لها امتداد عريق في الضمير المحلي، وسيظل لها.

استندت هوية العراق طيلة تاريخه على حيوية التنوّع والاختلاف.

 

ومنذ أقدم العصور كان العراق، قبل لبنان، حديقة المُخْتِلف اللغويّ والدينيّ. هذا التنوع هو ما منح البلد طاقاته كلها، خاصة طاقته على الانبعاث. لقد احتفظ الجميع بهويات صغيرة كانت تندغم دوماً بالهوية العراقية الكبيرة. ولقد شهد تسامحاً ندر وجوده في العالم وإن بصعوبات في هذا الظرف أو ذاك.  سوى أن تركة أكثر من ثلاثين سنة من (الواحدية)، بالفكر والرجال، تستلزم بعض الوقت لكي تتشظى وتذوب نهائياً.

من الأكيد أن الأجيال كلها في البلد لم تقبل الاحتلال ولن تتسامح مع أي نمط من الوعي المتطرف. لا يسمح تكوين البلد أصلاً بذلك.

 إن المراهنين على سذاجة العراقيين وتطويعهم لغرض من الأغراض قد أصيبوا بالخذلان، وسيصابون بصدمة كبيرة عندما يشفي البلد  رويداً رويداً من جراحاته البليغة.