Shaker Laibi

 المستشار الثقافي الغائب

: عن الهيئات الإستشارية في المجلات العربية

شاكر لعـيـبـي

لوقت طويل توقفنا، نحن القراء العرب العاديين، بانبهار أمام تلك الأسماء اللامعة في حقلي الإبداع والمعرفة، الـمُثبتة على الصفحات الأولى من بعض المجلات الأدبية والفكرية العربية بصفتها (الهيئة الإستشارية) لتحرير المطبوعة

بعد حين رأينا أن هذه الأسماء المعروفة عينها تتكرر دون ملل في دوريات وشهريات أخرى في لبنان ومصر وسوريا والأردن وفلسطين والمغرب، وفي كل مكان. وتساءلنا، بسذاجة، كيف يمكن لهاه الأصوات الكبيرة أن تتابع حركة الثقافة، بل تمنح أراءها بما يُنشر في المطبوعات التي يُستشارون هم فيها. كيف يمكن إستشاراتهم مع بعد المكان ومع وفرة هذه المجلات؟ هل هم بالفعل (هيئة استشارية) جديرة باسمها؟ أم أن الأمر مختلف تماماً

 

ثم اكتشفنا، نحن الطيبين، أن هذه الأسماء موضوعة فحسب من أجل الإعلاء من هيبة المجلة، وأنهم لا يفعلون شيئاً البتة. إنهم هناك من أجل أبـهة ومجد وسمعة المطبوعة ومن أجل مجدهم وليس لسبب ثقافي عميق آخر

 

كنا مضحوكاً عليهم بمعنى من المعاني، حتى في هذا الجانب من حياتنا العربية

 

إن أهمية وإنجاز هذه الأسماء الإستشارية، كنا نقول، لا تسمح لهم بالانجرار وراء لعبة مثل هذه.

 صحيح أن ثمة الكثير من الإغراء، الكثير جداً منه، في تثبيت الإسم على الصفحة الأولى، وتقديم إعلان مجاني لهذا الشاعر وذاك الـمفكر. إعلانٌ لا يحتاجون هم إليه ويحتاج إليه المغمور من الأدباء

ألا يكون شيئاً مفيداً حقاً لو إجتمعت هذه العقول الكبيرة، المتنورة من أجل إنجاز مشروع ثقافي عربي حقيقي، يستثمرون فيه سمعتهم ومعارفهم وعلاقاتهم ولغاتهم الأجنبية، وقبل ذلك نصوصهم ونقودهم وتحليلاتهم الفكرية العميقة؟

غير أن الاكتفاء بتثبيت الأسماء على المطبوعة، من دون فعل ثقافي أبداً، يعلن من طرفه مدى تأصل فكرة (الزعيم) و(القائد) و(الرائد) و(المعلم) و(المستشار) المتأصلة في الوعي العربي. إن أسماءنا الثقافية اللامعة لا تخرج البتة عما يبدو قواعد اللعبة الإجتماعية والسياسية العربية. على العكس فانها تستثمرها خير استثمار ولكن بتغطيات مستلة من الحقل الثقافي

فكما أن أسوأ أنواع الزعامات، وهي الديكتاتورية، تغدو رئاسة من دون مرؤوسين، فإن مثقفينا الكبار يصيرون مستشارين من دون استشارات. إنهم موضوعون أعلى الصفحة رغم إنه لا يقدمون لنا (الخدمة) الثقافية التي تفترضها وضعيتهم كمستشارين، سنقول رغماً عن أنوفنا. إنهم يترأسوننا فحسب

فرضية (الرئاسة) الأدبية تحتاج إلى إعادة فحص عميق، ذلك إننا، غالباً، غير معنيين بالنصوص ولكن بالأسماء، بتأريخيتها الزمنية، بتكرُّسها النهائي الذي يصير، في المنطق السائد، تكرساً لا يسمح للجديد بالطلوع إلى السطح ولا يسمح بالمنافسة

إن فكرة (المنافسة) الحرة التي هي مبدأ من مباديء الإقتصاد الرأسمالي، والمتجلية ثقافياً وأدبياً في أوربا وأمريكا، بالتنافس حسب الأهلية الإبداعية، هذا المبدأ غائب تماماً في الحقل الثقافي العربي. إننا في داخل النظام الرأسمالي، في العالم العربي، من الزاوية الإقتصادية حيث المضاربات والتجوال الحر لرأس المال وحيث حرية التجارة والتبادل والتنافس في السوق حسب السلعة الأجود، لكننا من الزاوية الثقافية في نظام مختلف تماماً، نظام ديكتاتوري أو أنه يمثّل أسوأ الممارسات في المنظومة الشيوعية السابقة

ألا تقع في هذه المفارقة الكثير من المفاتيح التي تكشف لنا مغاليق الأمور ومعضلات الثقافة العربية؟

وعوداً إلى موضوع (المستشارين الثقافيين)، فأننا في الحقيقة لا نرى أية ضرورة لهذه الأكذوبة الصارخة المضافة إلى صرح الألاعيب التي تؤسس لبعض ثقافتنا. إننا ندعو إلى أن تقوم الأسماء الإستشارية بالمهام المنوطة بها، أي قراءة النصوص ومراجعتها وتنقيحها وتكوين سياسات ثقافية بتكريس بعض الوقت الجدي للمطبوع المعني. ما عدا ذلك فأننا، نحن القراء العرب، صرنا نعرف أن ثمة خللاً في هذا الحقل كذلك. نتمنى أن يُجري أساتذتنا الكبار إصلاحه بضربة معلم. وهم قادرون على ذلك في حال التخلي قليلاً عن الذات لصالح تاريخ ثقافتنا العربية ولصالح شرف تاريخهم الشخصي

العودة الى صفحة المقالات