Shaker Laibi
مثقفو المركز ومثقفو الأطراف في الثقافة العربيةشاكر لعيـبـي
يبدو لنا أن ما يحكم حضور من عدم حضور وسط ثقافي أو اسم أدبي ليس رهيناً، على الدوام، باعتبارات الفاعلية والقدرات الإبداعية الحقيقية. أحيانا يتعلق الامر بشيء من طبيعة مختلفة تماماً
يمكن تطبيق الأفكار الواردة أدناه على وضعية مثقف مثل المثقف اليمني نشهد انحساره عن الساحة الثقافية العربية كما على أي مثقف عربي من البلدان الواقعة جغرافيا على أطراف العالم العربي
يتعلق الأمر في تقديرنا بشيئين اثنين، يتوجب قول الأول بقليل من الفظاظة ولكن بكثير من الود ألا وهو (الفائدة) المباشرة الـمُجـتـنـاة من حضور أو غياب وسط أو اسم ثقافي معين. نحاول هنا أن نصف الحالة كما تبدو للمراقب الحيادي ولا نطلق أحكام قيمة ولا معايير للتقييم الأدبي والإبداعي، ولسنا معنيين بقيم سياسية أو اجتماعية. هذه المهمة نتركها للنقاد. نقول لو أنك تنتمي إلى بلد غني من الناحية الاقتصادية، فان هذا البلد يصير، موضوعياً، مؤثراً في مجمل المجريات الثقافية سواء عبر دعم الجرائد والمجلات أو بشراء وتسويق الفضائيات ولسوف تجد لنفسك مكاناً ما في عالم الثقافة العربية، خاصة لو امتلكت بعض القدرات الأدبية. هذا هو حال عدد من مثقفي ومثقفات وشعراء وشاعرات الخليج الذين يستفيدون اليوم من الدعم المادي المشروع لحكوماتهم في دفع مجمل النشاط الثقافي والإعلامي في العالم العربي، بعد غياب العراق وليبيا اللتين كانتا تدعمان صراحة منظومة من الصحف والمجلات في المهاجر ومداورة في العالم العربي نفسه. هذا الامر لا يقلل البتة من قيمة شعراء وكتاب الخليج العربي وبعضهم قدرات إبداعية ملموسة وكبيرة جداً
الأمر الثاني يتعلق بمقدار حضور (مؤسسات) ثقافية وطنية، أي محلية تدعم مثقفيها بالأشكال كلها : بالدفاع عنهم، بتقييمهم، بطباعتهم، بالترويج لهم، بتقديم الضمان الاجتماعي لهم، بحضور نقابات أو ما شابه تمثل فئاتهم المهنية، بشراء أعمالهم التشكيلية….وما إليها من أشكال الدفاع والدعم الحقيقي. عدا ذلك فانه من غير الممكن تصور أن يكون المرء منبوذاً ومركوناً في العتمة والنسيان من طرف ثقافته المحلية نفسها بينما يكون مروَّجاً له في مساحة الثقافة العربية الواسعة. هذه النقطة جوهرية ويعرفها اليوم جمهرة من مثقفي المنافي العرب الواقفين خارج مؤسساتهم الثقافية الرسمية
وإذن فلا يتعلق الأمر بطبيعة الإبداع الحقيقي لمثقف من مثقفي الأطراف مثل المثقف اليمني. الظاهرة عربية عن جدارة. سوى أن ثمة أمور أخرى جانبية تتدخل في حضور أو غياب هذا الوسط أو ذاك، منها على سبيل المثال الاحتكار الذي تمارسه الصحافة اللبنانية، باسم تاريخها الطويل المشرف، وتقوقع لبنان الثقافي على الذات وخاصة الترويج لهذه الذات، بأخضرها ويابسها، منذ خمسين عاماً. وعلى الرغم من الثقل الكبير للثقافة اللبنانية في ضمير ثقافتنا العربية وفي ضمائرنا الشخصية، فعلينا اليوم القول إن كاتباً لبنانياً من الدرجة المتوسطة يحصل على حضور إعلامي أضعافاً مضاعفة من أي مثقف عربي جاد من البحرين أو العراق أو اليمن أو تونس. وبالطبع فإننا ثانية لا نقلل هنا من شأن الثقافة والأدب والشعر في لبنان التي منحت وما زالت تمنح للعرب بعضاً من أهم الأسماء وتفتح أكبر صفحات الحرية في التعبير، ولكننا نشير فحسب إلى الوجهة الموضوعية لهذا الأمر. إن الأهمية الممنوحة للثقافة في لبنان، حقاً وباطلاً، ستدفع بمثقفيها إلى الواجهة وستدفع حتى بالمثقفين والنقاد العرب الآخرين إلى غزل خفي وصريح لأولئك
ثمة أمر جديد يقع في صميم المشكلة: إن تهميش بعض البلدان مثل اليمن، مثالنا، وإن التقليل من شأن بلاد الرافدين الجاري في الكتابات التاريخية والأثرية وإن اتهام الجزيرة العربية بالبداوة والتخلف (مثلما هو حال إحدى الهجمات على قناة الجزيرة التي استخدمت فيها أشد النعوت إيلاماً) وان التقليل من شأن المغرب العربي على أساس أسلبته وتغرُّبه وبعده عن مراكز الإنتاج الثقافي العربي الأساسية، قد خلقت قطبين اثنين ثقافيين في عالمنا يزعمان، إلى حين، امتلاك زمام القيادة الثقافية. هذا خطأ تاريخي ومعرفي لا ينبغي القبول به
العودة الى صفحة المقالات