شــاكر لـعـيـبـي

 

  ضياء العزاوي

(مونوغرافيا)

 

 

 

 

ضيــاء العزاوي

 

 

عن الإنطلاقة الأولى وقواعد العزاوي الأساسية

 

تنطلق أولى أعمال ضياء العزاوي من التجربة الجريئة لما سُمي بمدرسة بغداد للفن الحديث التي أسس لها رائد الفن الحديث في العراق جواد سليم. هذه المدرسة كانت ترتكز على العودة إلى العناصر البصرية المحلية، واستيهام مفردات الفلكلور في سياقات شكلية معاصرة تلامس التجريد ملامسة خفرة.

 

هكذا سنرى في أعمال العزاوي الستينية بقايا المدرسة البغدادية وهو يقدِّم لنا موضوعات مثل (عين الحسود) و(كف فاطمة)، وسنلتقي بموتيفات لها علاقة بفن السجاد المحلي. لوحته الـمعنونة (folkloric composition) المرسومة سنة 1962 هي مثال جلي على بناء تشكيلي يتابع الهاجس المهيمن في تلك اللحظة من تطور الفن العراقي والعربي.

 

لنشر في البدء إذن وبسرعة إلى المؤثرات الموضوعية التي أطلقت أولى نماذج العزاوي، ولنقل أن تجربته الستينية تظل محكومة بنـزوع تشخيصي في المقام الرئيسي، ذي هيمانات تاريخية، لم تغب عنه البتة، مرتبطة بتكوينه كآثاري في المتحف الوطني العراقي. وعلى سبيل التدليل على ذاك التكوين المزدوج فإننا سنلتقي بالعيون الواسعة الخاصة بالفن الرافديني إلى جوار العناصر الشعبية الطالعة بالضبط من الممارسة الفنية للحقبة تلك كما من التأملات النظرية السابقة والمعاصرة لجيله. نذكر أن جيل العزاوي هو من أكثر الأجيال حيوية وبحثاً وتنقيباً وعملاً من بين جميع أجيال الفن العراقي لأسباب تتعلق بالتطور العام في البلد وبالهوامش  المتاحة للعقل، لأول مرة في تاريخ العراق الثقافي بعد سنوات من الجمود، في أن يجد له متنفسات وآفاقاً مغايرة.

 

مرجعية الفن العراقي القديم في لوحته (fossel eyes, 1965) من الوضوح بمكان كبير حتى لكأننا أمام إعادة رسم لمنحوتتين رافدينيتين من تلك المنحوتات الموجودة في متاحف العالم. يظهر هنا كذلك الثور الشهير الذي هو ثيمة رمزية أساسية في الإيـقونية الرافـدينية كما في عــمله (Gilgamish Epic no.4 1966)، وهناك كذلك عقصات الشعر الرافدينية والنجمية الظاهرة على معاصم الشخصيات المرسومة، بالضبط، كما كانت تظهر في الرسم والنحت الآشوريين.

 

على المستوى الشكلي، فإن جزءً كبيراً من تلك الأعمال ما زالت أعمالاً غرافيكية: أي أنها تتأسس على التخطيط[1] بالأحبار والتلوين لاحقاً بالغواش. يحتفظ التخطيط برقة ما وهو يشيد تكويناته بالخطوط الرفيعة المغطاة بالألوان وبالتظليل الخافت الناعم. إن (باليتة) العزاوي في هذه الفترة كانت تبحث عن نفسها بحثاً دائباً، فهي تتذبذب بين خلفيات لونية ستهجر نهائياً في وقت لاحق (مثل البني أو الأصفر الفاقع أو الرمادي المزرّق) أو أنها ستتحول تحولات بلاستيكية باهرة مثل الأحمر الطاغي في بعض أعمال تلك المرحلة ولكن طغياناً لا يـمتُّ إلى توازن وهارمونية الفترات اللاحقة.

 

بدءً من الأعمال المنجزة في سنة 1976، فإن التخطيط سيختفي كثيراً لصـالح الرسم بالمواد العضوية peinture[2]، رغم أن الخطوط الخارجية في اللوحات الزيتية مازالت تحدد الجسد الخارجي للأشكال. تتنقل الإنشاءات والتكوينات من تقسيم هندسي للوحة إلى استحضار مفردات تشكيلية أقل هندسية بل محلية. كان عمل العزاوي يتأرجح في هذه الفترة من (الهندسي) الصارم إلى خليط من العناصر (المحلية) المبهجة لكن الغامضة الملامح. سيطلع هذا المزيج السحري، المتنافر ظاهرياً،  وهو يتخذ طابعاً هندسياً واضحاً مرة و(زخرفياً) مرة أخرى في لوحات أخرى. ومن هذا المزيج عينه ستتشكل لوحة العزاوي وهي تتوغل وتنهل من جميع العناصر تقريباً التي حاولها الرسامون السابقون والمجايلون للفنان.

 

لنلاحظ هنا أن فترة السبعينات هذه كانت فترة حاسمة في تطوير عمل العزاوي وهو يستند على التركيبة [3]Synthèse الموصوفة أعلاه.

 

سنلمح التركيب المستند على قواعد صارمة الأبعاد في لوحة مثل (The marter 1967) بينما سنلمح حيوية العنصر المحلي ذي الالوان السعيدة، ذي الزخرف المبهج والموحي بتشخيصية بعيدة في عمل مثل (Deseret image 1968). في الفترة هذه سنرى إلى صفاء الفضاء التشكيلي. صفاءٌ سيصير لازمة وقاعدة من قواعد رسم العزاوي ولو أنه سيأخذ بعداً أكثر تعقيداً فيما بعد.

يشتغل ما نسميه بالصفاء بالطريقة التالية في تلك السنوات:

ثمة كتلة واحدة رئيسية، متماسكة ومتحركة تشغل وسط اللوحة، وثمة فضاء لوني رحب يحيطها. الكتلة تطفو على خلفية لونية وتصير جزءً منها.

وإذن فإن التقسيم المحدد وشبه النهائي لمساحة اللوحة هو قاعدة في عمل العزاوي. يبقى القول أن الفراغ يعمل على دعم الكتلة ويمنحها وزنها البلاستيكي، وهو ضروري جداً في لوحته بل أساسي.

 

في سنوات الستينات ستظهر في عمل العزاوي، للمرة الأولى كما نظن، ما سيصير (أسلوبه) الشخصي، خاصة في لوحتيه (Diaries poet 1968) و(Diaries 1969). مازال الفنان في الجو التشخيصي لكنه كان يتقدم خطوة حاسمة باتجاه ذاك الأسلوب عبر الهيمنة  على الموتيفات والألوان المحلية، المزركشة والمزخرفة من جهة، والسيطرة من جهة أخرى على فضاء اللوحة وإطلاقه على رحابته. في أعمال (Diaries) ثمة في تقديرنا أثر طفيف من أعمال باكون BACON : الكائن المحبوس في المربع بلطخات حمراء، ومثل هذا الأثر نلتقيه كذلك في لوحة العزاوي (Man and the Desert 73) التي تتبقي تشي بنكهة شخصية وذوق منسجم مع الذوق السائد يومذاك.

 

السبعينات، فترة التجريب عن جدارة

 

عندما نصل إلى سنوات السبعينات نرى إلى تأصُّل الفنان في التجريب قبل أن تنطلق لوحته نهائياً في عالمها الخاص. كان عمل العزاوي إذن يدور في (تجريبية) ما وفي ترحال دائب في البحث عن المزيد من العناصر اللونية والشكلية التي ستخلق لوحته الناضجة والمتميزة بدءً من سنوات الثمانينات.

لا تستقر أعمال الفترة السبعينية على أسلوب أو نيَّة فنية واحدة ثابتة، بل أنها تبدو مهمومة، بعمق، بما كان يحرِّك جيل الرسامين العراقيين والعرب والأوربيين الأحدث سناً الطالعين في السبعينات. الأمر الذي يدل على حيوية الفنان وانتباهاته للأفكار والتقنيات الأوربية ثم إلى الأساليب المدروسة في الخارج والمنقولة إلى داخل الوطن العربي. وكمثال على هذا الاندغام في حركة العالم التشكيلية فان إنشاء لوحته (The lost sity 1970) الذي يبرز الحرف كقيمة أساسية للعمل والقائم على تقسيم اللوحة إلى مجموعة من المربعات وتلوين الحروف بالأزرق الشذري (النادر في أعمال الفنان) ثم طبيعة التكوين ذاته المحتشد بالخطوط والموتيفات المكتظة التي لا ينبثق منها ذات الفضاء الرحب حيث تتعاطاه بطريقة ليست بطريقة العزاوي السابقة وما سيصير فضاءه الشخصي اللاحق عن جدارة، نقول أن اللوحة هذه تنتمي إلى منجزات أقران العزاوي الأصغر سناً العارضين يومذاك بكثرة في متحف الفن الحديث في بغداد.

 

سيذهب تجريب العزاوي في كل اتجاه في سنوات السبعينات:

·                   استخدام اللون الواحد (مونوكروم monochrome) كما في عمله (A man for the town III. 197).

·                   إبراز الشخوص بتشخيصية أكيدة وملحاحة.

·                   الإفراط بتقسيم فضاء اللوحة.

·                   عدم الإستقرار على باليته ثابتة واستخدام الألوان كلها تقريباً.

·                   الـتأرجح بين الهندسي المحض والحرف المشرق الطافي على ألوان معتمة موحَّدة (لوحته Scattered words 1971).

·        تقديم شخوص مستوفزة، متوترة انطلاقاً كما يبدو من سيادة بعض الأفكار الثوروية السائدة يومها في العراق (لوحته Martyer 1972).

·                   التركيز على الوجه المشوه، خاصة ذاك الذي يطلق صرخة كما في الكثير من الأعمال.

·                   العودة إلى تقسيم اللوحة إلى قسمين مبنيين بلونين مختلفين.

·                   التشديد على سعة العيون وانبهار الفم.

·        ثم الوفرة في استخدام الحرف العربي الذي سيكون، منذ الآن فصاعداً، ثاني القواعد التي تحكم عمل العزاوي صراحةً أو مداورةً كما في لوحته (Calligraphical composition no.3, 1978 ). ومن هذا العمل تبدأ، على ما يبدو، انطلاقة جديدة تماماً، جد ناضجة وجد ملموسة.

سوى أنه سيبرز (المربع) الهندسي في فترة السبعينات التجريبية بوصفه قيمة أساسية أخرى وقاعدة ثالثة من قواعد لوحة العزاوي. سنقول عن المربع كلمة موسعة في مكان آخر.

 استحضرت تجريبية السبعينات جميع العناصر الممكنة بالنسبة للرسام في تطوير لوحة هي في آن واحد معاصرة ومنغمرة بإرثها التاريخي الفني، كل ذلك من دون الاستناد أبداً، كما حاول أبرز رسامي مدرسة بغداد، على العناصر الفلكلورية الـمُعتبَرَة منذ البدء وبالضرورة بلاستيكية وجمالية وشعرية. تلك العناصر مهجورة بشكل حاسم في عمل العزاوي الآن.

إرث العزاوي المحلي هو إرث الثيمة التجريدية في الفلكلور العربي، وليس أشكال الفلكلور المباشرة أي الأكثر تبسيطاً.في السبعينات فان (الحرف) و(النقشات الزخرفية) المستخدمة خفية والمدسوسة دسَّاً في ثنايا اللوحة هي الإرث الذي كان يذهب إليه الفنان بهدف تقريب لوحته من التجريد. مسعى ذو مغزى إزاء نـزعة رسم الفلكلور الشعبي السائدة في الخمسينات، والحاضرة بقوة كبيرة وإن كانت تغطية تحت أشكال وتنظيرات جديدة في السبعينات.

 

إرث العزاوي العربي-الإسلامي في حقبة نسميها تجريبية هو (الخفي) من العناصر المجردة والمفهومية قليلاً.

 

سوى أن العزاوي لم يستطع، كما تقول هذه الفترة بالضبط وكما ستقول جميع مراحله اللاحقة، أن يكون رساماً تجريدياً بالمعنى الغربي للكلمة. إنه يعاود الرجوع كل مرة إلى نوع من التشخيصية الأثيرة على قلبه.

 

هذا التأرجح هو فعل خلاق آخر في مسيرة العزاوي. فكما إن الفنان يتأرجح بين العناصر الهندسية الحادة مثل المربع والخطوط المستقيمة والعناصر الهندسية الدائرية المتحركة، فهو يتأرجح، على مستوى آخر بين (التجريد) و(التشخيص) مقدِّماً لمشاهده خلاصة مقنعة في نهاية المطاف.

العزاوي فنان مهموم (بالرسم) قبل أن يهتم بفكرة مسبقة عن (فن الرسم).

فكرتنا هذه جوهرية، كما نحسب، في تفهُّم عمل العزاوي. ان حدود اهتمامه الفنية  هي التي تحدد فحسب طبيعة العمل. علينا القول أن أعماله التشخيصية تظل مغلقة وذات (أبهام) رغم قسوة تعبيرات بعض الشخوص. لذا ينأى الفنان عن أية نزعة (واقعية) مباشرة أو عن أية طبيعة (وصفية) أو (سردية) حتى وهو يحاول أن يقدم بالرسم illustrer [4]قصة عربية معروفة كمجنون ليلى مثلاً. (الإبهام) هو  موقف جمالي واع في فن الرسم المعاصر الذي يتعمد هجران التحديدات النهائية للأشكال والشخصيات من أجل إلقاء أكبر قدر ممكن من الشعرية والإيحائية. لا نتكلم عن النزعة الفوتغرافية في الرسم المعاصر فهي تهدف إلى أمر مختلف تماماً.

 

يحاول الفنان في السبعينات أن يمس ما يبدو له جوهرياً من الأشكال والتعبيرات والثيمات التي كان هناك نقاش ساخن بشأنها في الوسط التشكيلي العربي، المتأثر، يقينا، بصدى المنجزات الأوربية والأمريكية. تبرز في تلك الفترة جميع المشكلات التي كانت تؤرق فن الرسم العربي، خاصة أفكار (الأصالة) و(المعاصرة) و(الخصوصية) و(المحلية والعالمية) وما إليها. بعضها كان يستجيب لهواجس أيديولوجية أكثر مما يستجيب لمعضلات فنية محضة. من الانصاف القول هنا أن العزاوي لم ينجر، في عمله المرسوم، وراء أي هوى من طبع أيديولوجي. وقد إنجرَّ على الدوام كما تبرهن أعماله وراء استعارات تشكيلية.

 

لنقل بوضوح أن استعارة العزاوي المستخلصة من حوارات الفترة السبعينية كانت من طبع (تشكيلي) وليست استعارة (أدبية) عاملةً ومطبـَّقةً في الحقل البصري، رغم أن الفنان كان متأثراً بالوسط الثقافي العربي كما تبرهن لنا بياناته النظرية (أنظر الملحق في هذه الـمونوغرافيا) ومقابلاته الصحفية.

 

إحتفالية الألوان الصريحة

 

هكذا سيصل العزاوي، منذ نهايات السبعينات، الى اقتناص ما سيشكـِّل فنه الشخصي القائم على صراحة الألوان الإحتفالية المشتغلة في فضاء محكم الاكتمال.

من الصعب تقديم توصيف كلامي عن هذا الفضاء ويتوجب التواجه معه في اللوحة نفسها، لكننا سنحاول أن نشدد على اختصاره وحميميته واحتضانه للتكوينات ومنحها أثيريتها من أجل إعطائها نوعاً من التواجد الحر والانسيابي. فضاء يمنح عين المشاهد كذلك  دفقاً من الحرية وهي تتنقل مع انعراجات الحروف المزدهرة و المحتضنة لألوانها.

 

طالما تعلق الأمر بتكوين حروفي فان لوحات العزاوي تلعب لعبة مزدوجة الأبعاد: أنها تستهدي بفن الخط العربي المتأسس، في آن واحد، على الرصانة والصلابة والانسيابية، وتستهدي بالكتابة اليدوية التي تفضح طبيعتها الداخلية شخصية الفنان وتوتره في لحظة إنجاز العمل.

 

بين (الخط) و(الكتابة) تقع اللعبة الفنية للوحات مثل (Calligraphical composotion no.3 1978) و(no.2) و(Internal notes no.3) و(Manuscript 1980)، حيث يـحـتـل الحرف مجمل الفضاء التشكيلي ويصير الثقل الأبرز في اللوحة، دائماً بالانسجام التام مع قاعدة تقسيم اللوحة إلى قسمين لونيين متضادين.

 

إن (حركية) تكاد تكون عنيفة تطلع من هذه الأعمال مقابل (كثافة) كتل الكائنات الحية في الأعمال التشخيصية التي لم يهجرها العزاوي إلا بوقت متأخر. يبدو أن حضور الرؤوس المتوترة والأجساد غامضة الملامح (كما في لوحته Internal III. 1978) في السياق الموصوف يرمي إلى استحضار وعي الفنان، وعي الكائن البشري الحي وسط مشهد احتفالي تجريدي. ثمة ها هنا (أنـســنـةٌ) إذا ما أخذت الكلمة على محمل أقل جدية- للوحة وتذكير بحضور مكثف للفنان الفيزيقي القابع وراء تلكم البهجة اللونية المنطلقة على سجيتها.

 

سنلتقي الآن بمفارقة دالة في أعمال العزاوي: يمكننا في بعض الأعمال الاستعاضة عن أية كتلة تشخيصية بأخرى تجريدية وبالعكس دون المساس بالبنيان الداخلي الشديد الإحكام.

فلو إننا وضعنا العمل المعنون (Internal note, no.3. 1978) إلى جانب العمل المعنون (A  A man in Love 1078)، لوقفنا أمام طرفة دالة تماماً: إن العملين يقومان على أساس ذات القاعدة البنائية. الأول عمل تجريدي حروفي يتكون من مساحتين، العليا أكبر حجماً من السفلى، وهي تتضمن نحو جهتها اليمنى شكلاً تجريدياً (يبدو وكأنه ورقة رق قديمة مكتوبة باليد). المساحة العليا مفصولة عن السفلى بخط أبيض. أما الجهة السفلى فانها تتضمن شكلي النقطة العربية وحرفان مبعثران في الهواء كما موتيفاً زخرفياً مقتصداً.

في حين يتكون العمل التشخيصي من مساحتين مماثلتين عليا وسفلى بالمقاسات عينها تقريباً منفصلتين كالسابق بخط على عرض اللوحة، وبدلاً من الشكل التجريدي في اللوحة السابقة ثمة رأس آدمي فاغر الفم ومرسوم من دون تناسبات طبيعية يطابق تكوينه العام حجم ورقة الرق أعلاه، لكنه مشحون بالموتيفات الزخرفية والخطوط والألوان. في حين يتكون قسم نفس اللوحة السفلي من موتيف نباتي ثلاثي الطلعات مقذوف في الفضاء ويطابق أجمالاً موتيفات العمل السابق.

 

هذا المثال باهرٌ بالكلية.

إنه يدلنا على ان (المخطط الداخلي) الذي يشتغل في داخل الأعمال هو من طينة واحدة حتى لو اختلفت تفضيلات الفنان بذهابه الى التجريدي مرة وإلى التشخيصي مرة أخرى.

هذا المثال ذو دلالة قصوى على أن هاجس الفنان ليس من طبيعة اشتغال شكلاني  بقدر ما هو من طبيعة بلاستيكية معنية قبل كل شيء بالمنطق الداخلي للأشكال. منطق الأشكال إذن هو الذي يقود الفنان طواعية لوضعها في أماكنها الصحيحية، وإنها هي نفسها، الأشكال، تقود نفسها إلى التكوُّن تلقائياً مجردة كانت أم مشخصنة، حروفاُ كانت أم موتيفات نباتية أو زخرفية.

 

يتوجب التحذيربأننا لا نستخدم المصطلح (زخرفي) بمعنى سلبي إطلاقاً.  إنه يستعيد مفهومة العالم الواقعي (المؤسلب) المتحول إلى محض أشكال غامضة وألوان. هذه (الأسـلـبـة) ذات بعد رمزي، خاصة وهي تذكـِّر في أعمال السجاد الشرقي مثلاً بجميع الموجودات الطبيعية المحيطة بالسكان ابتداءً من السمكة (كما نلحظ في كليم Clime الساحل التونسي) إلى الحاجيات اليومية وافرة الإستخدام. أسلبة ذات بعد دلالي لأنها تنقل العين إلى مناخات محددة، إذا لم نقل بأنها مشحونة بتاريخ ملموس، قادر رغم أسلبته أن يقول نفسه بإصرار أمام مشاهدين لا ينحدرون بالضرورة من أفقه ومعارفه وأجوائه الروحانية.

 

البعد الزخرفي إذن كما يبرهن مصنَّفٌ قديم في تاريخ الفن ما زال يحتفظ حتى اليوم بأهميته هو كتاب المؤرخ ألويس رايغل (مشكلة الإسلوب: أساسات تاريخ الزخرفة)[5]، ليس بعداً تنميقياً، والزخرف ليس إطناباً بلاغياً تشكيلياً سمجاً بالضرورة وليس اجتراراً لأشكال ميتة. أن ثبات الشكل الزخرفي النسبي لا يمنعه من الذهاب، على يد فنان قدير، إلى موقف دلالي.

 

يتعلق الأمر دوماً بالسياق الذي توضع فيه الثيمات الزخرفية. ومن الجلي أن سياقات العزاوي التي تنهل من جميع العناصر الزخرفية تسعى إلى دفعها بعيداً في أفق تشكيلي، متماسك وشخصي وبالتالي شحنها بقوى جديدة، لنقل معاصرة.

 

لا يوجد في تقديرنا أي عنصر تشكيلي نقرر سلفاً بأنه سلبي. لا توجد طبائع سلبية اصلية للأشكال الفنية، هناك فحسب استخدامات تنميطية، اجترارية لها ولا جدة فيها مقابل استخدامات خلاقة. الأمثلة على ذلك من الوضوح بمكان كبير، فلقد رسم الفنانون، مراراً وتكراراً، وطيلة قرون (الجسد) نفسه في عصر النهضة في أوربا واستخدموا الشكل (الهندسي) ذاته في بداية القرن العشرين وانحنوا على (اللطخات) اللونية عينها في الفن الحديث. هذه النقطة مهمة بدورها في فهم (حروفية) العزاوي كما في فهم (االنـزعة الزخرفية) في أعماله.

 

في هذه الفترة على وجه الخصوص ومن أجل أبراز العناصر تلك فإن العزاوي كان يستند على خلفية غامقة، وفي كثير من الأعمال على خلفيات سوداء. ينتوي اللون الأسود هناك تصعيد بهجة الموتيفات الملوَّنة أي نقلها إلى مصاف البداهة الصادمة للعين منذ النظرة الأولى. انظر مثلاً لوحته (Sumerian image II. 1979) حيث الأسود الطاغي يعمل بصفته مقوٍّ ومنشط وبوصفه مُظـْهِرَاً كما يُقال في التحميض الفوتغرافي- لألوان الطيف الشمسي وهي هنا استعارة مباشرة من فن السجاد المحلي. بعد أن وضع ألوانه الهارمونية ولكي يبرز التضادات يقوم الفنان برسم شكل ذي لون فاتح في أسفل اللوحة ذات الخلفية السوداء. هذه المقاربة البديهية بين الغامق والفاتح تنتوي بدورها نقل العين إلى الموضوع الرئيسي الذي يشغل الفنان. فلوحته (Sumerian image I. 1979) تريد تحديداً دفع المشاهد إلى التحديق والتركيز هلى هيئة جلوس السومري على دكته المعهودة في المنحوتات القديمة ثم الإيحاء بفكرة الزقورة السومرية التي تشغل الجزء الأسفل من عملٍ مرسومٍ بكثير من الإجمالية والرمزية.

في تقسيم اللوحة إلى قسمين، نلاحظ أن الأسود يتناوب مع الأزرق الذي سيحل محل الأسود نهائياً في نهاية المطاف، وفي ذلك دلالة جديدة. فإذا كان الأسود يستطيع بيسر متناه إبراز أي من التضادات اللونية، أي أنه يقدم حلاً سهلاً للعمل التشكيلي، فإن الأزرق رغم كثافته كذلك وجاذبيته الشعبية (فانه يُمنح اعتباطاً معنى الارتياح والسعادة) يظل اكثر استعصاءً وأقل طواعية من الأسود في تقديم توليفات لونية متضادة.

 

يهجر العزاوي في نهاية سنوات السبعينات ميوله التشخيصية الفلكلورية.

يهجرها نهائياً ولا يغدو، بهذا المعنى، رسامَ شخوصٍ محليةٍ. لم يعد على الإطلاق معنياً بفلكلور مدرسة بغداد ولا بمحلياتها الوصفية، سوى أنه يستحضر مراراً جميع الموتيفات والتفاصيل التجريدية المستلة من العناصر الشعبية، الهلال خاصة والتقوسات: كالقوس المؤسلب الذي هو مفردة من المفردات البارزة لمدرسة بغداد. في أعمال هذه الفترة قد يتخذ القوس شكل الطائر. انه يستفيد من جميع ضروب الفن الشعبي العراقي بطريقة خفية، موحية قبل أن تكون تقريرية، ناهيك عن استخدامه المثابر للحرف العربي.

 

المربع كمبدأ أيقوني[6] في عمل العزاوي

 

لا يهتم العزاوي إلا عرضاً وبقدر ضرورات التكوين بالأشكال البيضوية. طيلة ثلاثين سنة من العمل التشكيلي، نادراً ما نلتقي في أعماله بلوحات متأسسة بالكامل على الشكل الدائري.

إن انحناء الحروف وتكوُّرها ليس خياراً للدائرة طالما أن هذا التكور هو الطبيعة المتأصلة للحرف العربي وليس خياراً شخصياً للممارسة الفنية.

للتدليل على ذلك ففي الكاتلوغ الراهن الذي يضم مسيرة الفنان الطويلة لا نجد إلا لوحات معدودة قائمة على مبدأ الشكل الدائري: لوحاته (composition 1980) (Arabic poem 1980) ثم لوحته (Window no. II. 1981) لأنها تقوم كلها على أساس شكل بيضوي صريح، ثم بشكل أصرح لوحته (Le Fenetre 1983) و(Remain no.II. 1989) واللوحات الثلاث التي ترسم وجه عشتار (إذا اعتبرنا الوجه دائرة) ثم عمله الدائري تماما المعنون (Corner of the Sea 1996). هذا هو كل ما بأيدينا من بين مئات اللوحات التي أنجزها الفنان.

 

الدائرة والشكل البيضوي والمنحنيات الصريحة ليست خياراً تشكيلياً للعزاوي. بل أننا سنتقين أن خياره الجذري هو (المربع). لا نتكلم عن المربع كشكل لقماشة اللوحة التقليدي لكنت المربع المرسوم صراحة في داخل مربع القماشة. هذا الخيار يُلمح لمحاً، ولكنه جلي على أية حال، منذ سنة 1974 في لوحة العزاوي (memories no.2)، ثم أنه سيظهر ويختفي ويكرر الظهور والإختفاء بالتناوب، علانيةً وإضماراً، لكي يغدو في النهاية مبدأً أساسياً من مباديء لوحة العزاوي.

 

لقد قيل الكثير عن المربع، ولا ننتوي إعادة قول ما قيل. إننا نشير فحسب إلى أن المربع ما فتأ يشكل مشكلة حقيقة للفكر منذ بدء الخليقة. مشكلة غنوصية وصوفية ورمزية. يكفي أن نتطلع إلى أشكال الطلسمات القديمة، الصينية والعربية الإسلامية خاصة، لكي نتأكد من أن المربع قد أُعتبر (حامل الأسرار) و(مفرج الكروب). لقد أعتبر المربع على الدوام، حتى في الفكر التشكيلي الأوربي، معضلة حقيقة كما يعلنه ماكس بيل مثلاً كما إنه أُعتبر في فن التمائم والطلاسم الإسلامي جزءً من (السر الكوني) الذي يتوجب تعاطيه وفكـِّه كما يجدر من الإحترام. أن موقف (الأبوب) لدى النفري هو موقف المربع بعض الشيء.

 

إن موقف المربع هذا يُستعاد لدى العزاوي ولكن بروحية مختلفة، لأن الروحانية التي يتفجر عنها عمله ليست الروحانية المحضة للمتصوفة المسلمين. روحانيته هي الاحتفال بالعالم بروح فيها الكثير من البهجة والانطلاق والعفوية. لا البهجة ولا الطفولية شأن من شؤون المتصوفة الكبار. أن مربع العزاوي ليس شكلاً متجهماً، وهو يحضر في اللوحة ليس من أجل أن يُطل على سر وجودي او يفك معضلة دينية قدر ما يحضر كمبدأ إيقوني.

 

ما هو الـمبدأ الإيقونـي؟

إنه عنصر بصري ثابت يعاود الطلوع في سياقات متماثلة لكي يقوم بوظيفة أو وظائف محددة[7].

 

يقوم مربع العزاوي بإداء بضعة وظائف تشكيلية:

أولاً: إنه يقوم بدور الشادّ والرابط والـمُبـرز للعناصر التي يراد شدَّها وربطها وتطليعها إلى العيان. هذه ما نلاحظه في لوحات كثيرة.

ثانياً: أنه يقوم بإداء دور (النافذة) التي نطلُّ منها على المشهد الخارجي لكن من دون أن يكون أمامنا مشهد شديد التعقيد، بل أننا في الحقيقة نطلُّ على عناصر مُنـْتَخبة انتخابا ومقتصدة بل مجردة. لهذا السبب فليس عبثاً أن يُطلق العزاوي على الكثير من لوحاته عناوين (نافذة).

 

إن (التنافذ) بين داخل وخارج، بين اللوحة الملموسة والمشهد البراني المفترض هو الدور الأساسي الذي يلعبه مربع العزاوي.

ما انفكت (النافذة) مشروعاً مكتـنـزاً بالمعاني في تاريخ الفن وتاريخ الأدب على حد سواء، وذلك إن هذه الكتلة العيانية ذات المظهر الهندسي، هذه الكوة للتطلع إلى الخارج هي أداةٌ لحاسة البصر بشكل أساسي. إنها تقدِّم للبصري مناسبة ثمينة لفحص موضوعاته. بمعنى آخر فأنها تدفع البصيرة إلى تأمل العالم من زاوية محددة تماماً. إن وجهتها المربعة، الثابتة في موقعها لا تسمح للعين إلا تأمل وجهات مُختارة من مشاهد العالم الخارجي (أو مَشَاهِد العالم الداخلي للفنان). النافذة تقذفنا إلى (خارجٍ) هو ليس ذواتنا ولكنه موضوعات خارجية، ربما كانت تمتلك المعاني.

بين الداخل أي اللوحة والخارج الذي يدفعنا المربع إلى مشاهدته وتأمله تقوم كل وظيفة النافذة لدى العزاوي.

 

نسمح لأنفسنا بإيراد استطراد قد يفيد في جلاء دور المربع لدى العزاوي. إن النافذة في أعمال شعرية مهمة، خاصة في عمل الشاعر الألماني ريلكه المعنون (نوافذ) التي كتبها باللغة الفرنسية مباشرة وقمنا بترجمتها إلى العربية- وفي عمل الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب (شباك وفيقه) بمقطعيه، ثمة لقاء عريض مع (نوافذ) العزاوي:

إننا دوماً في مواجهة إطلالة ما على العالم، إطلالة سعيدة أو أسيانة. تقول لوحة العزاوي أحياناً شيئاً مشابهاً لأبيات السياب:

 

"وشباك وفيقه

في القريه

يطل على الساحهْ"

 

هذه (الساحة) الأدبية هي (الـمساحة) التشكيلية ذاتها ولكنها مقالة بمفردات لصيقة بالفن البصري، على الرغم من أننا في كلا النصين الأدبي والتشكيلي، ما زلنا في مقام (الصورة) الـمُبـْصَرَة أصلاً.

 

لنعد القول أن مبدأ (التنافذ)، أي تلك العلاقة بين مساحة محددة للعمل التشكيلي والعالم الخارجي تهدف إلى مزج الذاتي بالموضوعي، وتهدف إلى ردم الهوة بين العالم الداخل للوحة والعالم الخارجي لمُشَاهِد اللوحة. في التنافذ ثمة نية لإدغام روح الفنان بروح العالم، في نوع من الاحتراس الذي يحفظ، في آن للموضوع الخارجي موضوعيته وللفنان ذاتيته.

 

نلاحظ كذلك حضوراً خفراً وحيياً للمثلث في أعمال العزاوي.يظهر المثلث صغيراً ومبثوثاً هنا وهناك في لوحة العزاوي من دون أن يكون، كما هو حال المربع، مبدأ وقاعدة للوحة. لماذا؟ لأنه لا يستطيع القيام بوظيفة (التنافذ) الموصوفة ولأنه يحضر، فحسب، كواحد من تلك العناصر الزخرفية الهادفة إلى توطين العمل في مناخاته المبتهجة. عنصر مهمَّشٌ إذن إلى أبعد الحدود كما هو مهمش بالضبط في الأشكال الطلسمية والسحرية لدى المنجمين والعرافين والمتصوفة المسلمين. وعلى الرغم من صلابته الشكلانية فالمثلث يعمل، بسبب حدة زواياه، بوصفه سهماً يشير إلى الجهات. وهكذا يعمل بالضيط في علامات السير الإتفاقية محدّداً المسارات والجغرافيات. وفي الوقت الذي (يطلُّ) المربع على الجهات، فإن المثلث (يشير) إليها من بعيد، وبين (الإطلالة) و(إشارة) السهم تفضِّل لوحة العزاوي، من دون شك، فكرة الـمَطـَلِّ.

 

وعلى أية حال فالمربع كالدائرة مكتف بنفسه، وهو مثلها لا ينسجم مع بُنية لوحات العزاوي الإيحائية التي تستجمع العناصر تلو العناصر والتي تحيل إلى عناصر أخرى دفينة : الحرف يحيل مثلاً إلى فكرة قديمة في الوعي الثقافي العربي أبعد من شكلانيته، والشخص الرافديني المضبب الملامح يحيل إلى التاريخ المحلي الرسخ في الضمير المحلي.

 

هكذا يصير المربع لوحة في داخل اللوحة (انظر مثلاً عمله Detail calligraphique 1980) الذي يكسر سيادة اللون الأحمر ويطفو كلوحة جديدة مكتفية بنفسها.

وإذا ما كان هذا المربع يرسم (رسماً) في داخل القماشة ، فإنه في نهاية سنوات الثمانينات يبرز، حرفيا،ً (كإطار) هو نفسه، إطار حقيقي معمول من الخشب، إطار بارز بضعة سنتيمترات في فضاء العمل. لوحة العزاوي المعنونة (Talisman 1988) خير شاهد على ذلك. عمل تجريدي محض، عمل صاف حيث الأزرق يغمر كلا من القماشة والإطار الخشبي ويدغم المربع الحقيقي الخشبي بالمربع التشكيلي أي القماشة.

مجمل الانطباع الصادر عن أعمال من هذا القبيل هو السعي الدائب لنقل اللوحة نحو أفق معاصر، واستهداء الفنان في الغالب بتجارب مجايليه من الفنانين الأوربيين. الأنطباع الأكثر رسوخاً هو محاولة لوحة مقتصدة، سأقول ضرباً من (فن فقير) يركزة بشكل أساسي على الجوهري. لوحة تنهل من الأشكال الرئيسية وبقايا ذكريات الموتيفات السابقة، مقتصدة حتى بألوانها، ففي الفضاء الذي يحتكره الأزرق المريح للعين ذاك لا نلتقي سوى بألوان قليلة صافية: هي الأحمر والأصفر والأخضر، ثم بضربة عريضة من الأبيض هدفها فتح النافذة على مصراعيها للضوء.

 

أن المربع الحقيقي المرسوم في داخل مربع القماشة سيظهر بذات الطريقة في عمل العزاوي (Ancient Form 1988)، وبدلاً من الأزرق لدينا الآن الأحمر الطاغي كلياً الذي يغطي الأطار الخشبي والقماشة. إن القيمة الفعلية للتجريدات المرسومة داخل الإطار الخشبي تقع في تلك الضربات الصفراء التي تضفي على عموم التكوين الهارمونية والوحدة والاتساق النهائي.

 

لنلاحظ بأن الفنان في هذين العملين لم يضع الأزرق أو الأحمر بطريقة تمنعنا من رؤية طويات وملمس (جوت) اللوحة وكأنه يحاول التشديد على السلاسة والاقتصاد والعفوية اللصيقة بالحالة الأصلية للمواد الأولية المصنوع منها العمل.

من وجهة نظر البناء، فلا الإطار الخشبي ولا ثنيات الجوت بمنأى عن إدراك العين. إنهما ملموحان منذ لقاء الوهلة الأول بالعمل، وفي هذا دلالة تتعلق بإرادة الفنان على إطلاق اللوحة على سجيتها بعد أن سيطر هو على بنائها عبر ممارسة حرفية طويلة.

هذا المربع الطالع الآن نافراً Bas-relif كنحت بارز بعض الشيء، يجد يقيناً أصوله الفعلية في لوحة العزاوي السابقة على تاريخ العملين موضوع البحث، المعنونة (Oriental window no.3. 1983) حيث المربع فيها مرسوم رسماً بالأكريليك بطريقة تعطي وهماً بصرياً بانسلاخ المربع وبروزه ونفوره وتشكله لوحده بعيداً عن أجواء الموتيفات الأخرى. لم يستطع المربع هناك انسلاخاً حقيقياً، مجَّسداً، أو الصيرورة كائناً فيزيقياً إلا بعد سنوات أخرى من عمل الفنان العراقي. في هذه اللوحة مازالت حاضرة العناصر التي اشتغل الفنان عليها من قبل (الحروف والزخرفيات والفضاء المقسوم باعتدال). بينما نحن الآن امام اختفاء لهذا العناصر مع بقاء ما يشير إليها.

 

ننقاد في هذا المجال إلى قول ملاحظة جديدة تتعلق بتواريخ لوحات العزاوي. ان متابعة لتطور الأشكال والعناصر، من وجهة زمنية، تفيد ان الفنان ما فتأ مثابراً على التطور العضوي، فالعنصر المعين يقود إلى عنصر آخر، وتشكيلة من العناصر تؤدي إلى أخريات، وأن هذا كله كان يتبلور عبر الزمن ويتصفَّى ويتخلص من الزوائد الجمالية والمحسّنات التجميلية التي تدغدغ العين، ويذهب نحو اختصارات، نحو (كليات) مقتصدة ونحو لغة شخصية صرنا نعرف بأنها لغة العزاوي الشخصية.

 

 

تطور داخلي وإصرار على التشخيصية

 

يتوجب التذكير مرة أخرى بأن فترة الثمانينات قد شهدت، بدورها، عودة مواظبة للأصول التشخيصية، وإعادة تمثيل representation لتلك الشخوص التي ظلت تحرِّك مخيلة العزاوي.

ما السبب في أن العزاوي لم يهجر ميله القديم نحو تلكم الشخوص، خاصة وأن مجمل تطوره الداخلي وأن جميع خياراته الأساسية، لونياً ومفهومياً، كانت توحي بأنه سيتخلص بضربة واحدة من كل أثر تشخيصي ثقيل الوطأة؟

 

لنلاحظ قبل التوغل في الموضوع أن أعمالاً ثمانينية وتسعينية مثل لوحاته (Abdulla leaving his city. No.2. 1983 ) و(Abdulla leaving his city. No.1. 1983) و(What A-Naffari said to Absulla, no.3. 1983) و(What A-Naffari said to Absulla, no.4. 1983) (What A-Naffari said to Absulla, no.5. 1983) و(A horse in a coloured filed 1983 حيث نرى الحصان العزيز على العزاوي) كما نرى حصانا آخر في (The night ahis lover 1983) وفي لوحاته (Al-Sayab 1988) و(Abdulla and his bird 1983) و(Ashtar 1991)، وخاصة لوحته (Book of door 1994) التي تنتمي إلى سنوات متأخرة من عمره الفني وتمثل عودة بارزة إلى التشخيصية، وأعماله عن مجنون ليلى سنة 1995 ثم لوحته (dream of Egyptian princess 1995)، تستند كلها على استهادة الموتيفات التشخيصية التي سبق استخدامها في وقت متقدم. تصر التشخيصية على العودة بعناد إلى فضاء كنا نحسب بأنها قد هجرته، إلى فضاء كان يتطور ذاتياً ويتشكل بأدوات ليست تشخيصية. تعاود التشخيصية محاورة ذاك الفضاء التجريدي ومعانقته والبقاء مثل أوابد تاريخية ثابتة في عمل الفنان.

 

يكمن في ظننا تفسير هذ الأمر المحير في أن بعضاً من اهتمام العزاوي قد انصرف، على الدوام، نحو تأويل العمل الأدبي littéraire العربي أو الحكاية الشعبية (وهو ما سنقول عنه كلمة مطولة في مكان آخر). بمعنى أوضح فإن ضياء العزاوي كلما تعلق الأمر بتقديم أعمال أدبية وتاريخية فانه لا يقاوم رغبته في تقديم أعمالٍ تشخيصية، من دون أن يكون مجرد منفـِّذ رسومات توضيحية illustrateur لتلك الأعمال الأدبية.

 

تمتلك التشخيصية ها هنا، على ما يبدو، ضروراتها. فأنها، مع بقاء الفنان على أسلوبه الفني، نوعٌ من استيهام تشكيلي مشخصن، إذا صح التعبير، لحكاية معروفة. إنها تُستخدم إذن بوصفها (سرداً تشكيلياً) لا يمكن الاستعاضة عنه بشيء سواه. سردٌ غنائي، أو منسجمٌ مع الغنائية العامة التي يبشر بها مجمل عمل العزاوي.

 

علينا أن نثبت في هذا السياق أن الاندفاعة الكبرى لجميع أعمال العزاوي تقع في غنائية صدَّاحة  تعبـِّر عنها تشكيلياً ألوانه المبتهجة خير تعبير. يستمر الرسام بالغنائية لكن على مستوى حكائي، لا (يصف) بل (يوحي)، لا يضع شخوصاً رمزية تتحاور في اللوحة لكي تعيد قول قصة معهودة، أو حتى مجهولة، بل لكي تشير إليها وتغنيها عبر المفردات التشكيلية التي عوَّدنا عليها.

 

في ذلك الجدل العام المطروح طيلة عمر الفنان، لدينا الآن جدل من نوع جديد: جدل الـمُجرَّد والمشخصن، الغنائي والسردي، ذكريات الواقع المحسوس وأثلام وبقايا الواقعية، البصر الموضوعي والبصيرة الباطنية. جدل ليس من طبع ثنائي بل إنه متعدد الأقطاب.

هذا الجدل المبطَّن المرفوع إلى مصاف لغة بصرية يُعلن شخوص العزاوي وكأنها قادمة بالأحرى من منطقة حلمية أكثر مما هي منبثقة من مناطق الوعي. شخوص هوائية، مثلمة، لا تكاد تستقر على جسد اللوحة، وتنفلت منها، بل أنها تتقمص، في بعض الحالات، الطينة اللونية والزخرفية ذاتها التي هي لوحة العزاوي. شخوص مُسْتَغْرِبَة، مجروحة ومتلبسة بالتمام بألوان الفنان. أما الحصان، فإذا غضضنا الطرف عن رأسه، فإن بقايا هيكله المرسومة لا تغترف إلا من تكوينات العزاوي التجريدية وألوانها المعهودة مثلما يظهر مثلاً في لوحته (A horse in a coloures filed 1983). كما أن الطائر فهو هائم بين الألوان ويريد الهروب من اللوحة.

 

نقول أن هناك ثلاثة مفردات تشخيصية رئيسية في لوحات العزاوي، (الشخص الرافديني) و(الطائر) و(الحصان). يظهر الشخص عملياً أكثر من ظهور العنصرين الآخرين. هذه المفردات المؤسلبة في جميع الأعمال ذات بعد رمزي على ما يبدو. سبق وإن تكلمنا عن (الشخص)، يتبقى أن (الطائر) ربما يمثل الإنعتاق الـمُسالِم والهيمان بينما (الحصان) فيمثل في الغالب مبدأ القوة والرشاقة في آن، وهو يطلع كما نظن من رمزية الستينات المشبعة بالرسائل الثقافية في العراق حيث انطرح، على نطاق واسع، همُّ النضال الوطني والثقة بالذات المحلية التي رُمِزَ إليها بهذا الحيوان الرائع.

تأويلاتنا هنا تتبقى مجرد تخمينات شخصية يمكن رفضها بالكلية، ويمكن تعديلها، الأمر الذي لا ينفي في تقديرنا الطبيعة الرمزية البيِّنة في هذه المفردات التشكيلية.

نضيف أن التشخيصية ليست خيار العزاوي النهائي رغم تكرر ظهورها في أعماله مثلما أن المثلث مثلاً ليس خياره المفضل وإنما المربع.

 

منذ أن أنجز العزاوي سنة 1974 رسومة المستمدة من تجربة أداء الخدمة العسكرية في شمال العراق في معرض كان تحت عنوان (حالات إنسانية)، فان تشخيصيته لم تفتأ أن تتطور وتتحور بشكل جذري. ففي أعمال هذه التجربة القاسية  نرى للمرة الأولى ذاك الجسد الممزق المركون وحيدا مطوقاً بالحبال كما في لوحته (حالات انسانية 1974- غواش) كتعبير عن انجراح الآدمي في تجربة الحرب والموت، كما إننا نرى تلك العيون المصابة بالفزع كما في لوحاته (حالات انسانية 1974- غواش وحبر على الورق)، الفم الصارخ كما في الكثير اللوحات.

 

 لقد غادرت الكثير من مفردات هذا المعرض نهائياً قاموس العزاوي التشخيصي لاحقاً سوى أن فضاءه بقي دون تغيير يُذكر. واتخذت حروفيته نسقاً آخر.

 

 

العناصر البلاستيكية الجامدة والحرف المنبني بثبات

 

أعتقد أن معرض ضياء العزاوي في غاليري أليف سنة 1984 يشكل، عبر تراكم تجريبي، انعطافة مهمة. إنه دالٌ لجهة إرشادنا إلى الكيفية التي تنبني بها لوحة الفنان.

في كاتلوغ هذا المعرض يضع العزاوي بين أيدينا مجموعة من التخطيطات dessin التجريدية بالحبر الاسود والأبيض تمثِّل، في يقيننا، الأصل الفعلي الذي يقوم علية مخطط رسومه peinture اللاحقة. تخطيطيات تدلنا على طبيعة التحولات الشكلية الفعلية في لوحاته الزيتية والأكليريكية. في تلك الرسم الخطي dessin نحن أمام نوع من الفكرة الإجمالية Schématisation التي يقوم عليها البناء الزيتي. ففيها نرى، في الحقيقة، الخطوط الخارجية contours  فحسب للأشكال التي ستُنفَّذ بالزيت. الحروف مثلاً انقلبت على عقبيها ورُسمت عكسياً وهو تريد تضييع الدليل على أصولها ككتابة ولتصير مجرد علامات وإشارات غرافيكية وأشكالاً. أننا نجد الأصل الخطي[8] للرسم الزيتي، وهو أمر هام. إننا نرى الحرف العربي وقد صار رسماً غرافيكياً ولكن قد تحرَّف تحريفاً بالغاً وفقد قيمته كحرف وصار شكلاً من بين الأشكال البلاستيكية الممكنة.


 

يتابع بنيان الفضاء في هذه الأعمال الغرافيكية، بدوره، مخطط لوحات العزاوي الزيتية. كأننا أمام (نيكاتيف) للأشكال المرسومة بالزيت. ولكب نبسِّط الأمر إلى درجة الطرفة نقول أننا نكاد أن نملأ الخطوط الخارجية contours في تلكم التخطيطات بالألوان ونصعِّدها على أحدى الخلفيات أحادية اللون أو ثنائيته ونحصل بالتالي على لوحة العزاوي المعروفة اليوم.

 


ألا يمتلك هذا الأمر إثارة خصوصية؟

 


تتأتى إثارته من أن حروفية العزاوي لم تعد تهتم بالحرف إلا بوصفه (فيكراً- شكلاً) يجري تعاطيه مثل أي (فيكر-شكل) لجهة تشبعه بالفضاء التشكيلي ولجهة توحُّده باللون.

 

إذا كان الحروفيون يستندون، بشكل عام، على جمالية مسبقة الصنع يقدمها لهم الحرف العربي على طبق من ذهب، فأن هذا الحرف عينه لا يتعاطى بالضرورة، في أعمال العزاوي، هذه الجمالية المألوفة لأنه محض مناسبة ثمينه لتطليع الحركة البلاستيكية من جهة، وهو من جهة أخرى يتقدم كونه شخصية مستقلة تجهد بالإقتراب من الأشكال التجريدية الأساسية التي لا تمتلك، كما نعلم، قيمة صوتية ولا بعداً رمزياً (إلا بقدر ما تضفي ثقافة من الثقافات بعداً رمزياً على شكل هندسي أو ثيمة زخرفية).

 

إن تراكم وتجاور تلك الأشكال الغرافيكية (أي المرسومة بالحبر الأسود)، لكن المشبعة بالألوان في العمل الزيتي إلى درجة صيرورتها ملمس اللوحة النهائي، عضويتها وكينونتها، يوحي وكأننا أمام جهد بنائي constructiviste. هل نغامر بإطلاق صفة هذه المدرسة الفنية على بعض أعمال العزاوي؟. نغامر قليلاً ونقول أن هناك نية مطروحة بوضوح ما بعده من وضوح في تلك الأعمال الغرافيكية ببناء اللوحة عبر عناصر جامدة statiques تتحاور مع بعضها خالقة عبر الحوار وعبر ملمسها اللوني ديناميكية تشكيلية.

علينا التوقف أمام صفة (الجمود) و(الجامد) التي لا تعني في المصطلح الفني أمراً باهتاً ومن دون قيمة بلاستيكية. العكس تماماً فالمفردة تعني أننا أمام عنصر مبني بحزم ومطروح أمام المشاهدين كبُنية ثابتة موضوعياً لكنها تحتفظ بحياتها الحرة الداخلية.

 

هنا جدل جديد في عمل العزاوي: بين جمود الأشكال المبنية لكي تقف، بثبات، الواحدة قرب الآخرى، وبين حركتها الطبيعية بصفتها أشكالاً حروفية (مؤسلبة) يقع جهد متميز للعزاوي.  قلنا ان الفيكرات التشخيصية مؤسلبة في عمل الفنان ونلاحظ الآن أن حروفه نفسها تعاني من أسلبة، خاصة وأنها لم تعد حروفاً وتنتقل إلى مصاف الأشكال التجريدية، كما توضح رسومه بالأسود والأبيض موضوع تأملنا.

 

 

 

 

تجريدية حروفية

 

إننا، في الحقيقة، أمام تجريد مزدوج سنطلق عليه مجازفين مرة أخرى، بالتجريدية الحروفية. لا تقوم لوحة العزاوي على السرد عندما تكون تشخيصية، ولا على القيمة الصوتية أو معاني الكلام المكتوب في أعماله الحروفية. في كلا الحالتين تقوم على الإيحاء. أيحاء الأشكال التشخيصية الحلمية المرسومة من دون همٍ واقعي كبير ولا تنوي القيام بمهمة سردية. بينما الحروف فهي لا تقوم، هي أيضاً، بأي إحالة على معانيها أو مراميزها أو قيمها الفونيتيكية، ولكنها تحيل إلى قيمها (الصورية). إنها لا تسرد معنى ولكن تشير إليه على طريقتها.

 

في لوحة العزاوي، يودُّ الحرف التخلص من علاقاته باللغة لكي يصير (صورة) بمعنى من المعاني، ضرباً من إيقونة حروفية، من رسم أصلي منحنٍ على شكل الحرف كما ينحني الكثير من الرسم على شكل الإنسان أو الطبيعة الجامدة.

تدل كولاجات العزاوي أن الحرف يفلت من حقل الكتابة ويتخذ حياة شخصية أي أنه يغدوشيئاً Objet، فالحرف يمتلك فيها هيئة فيزيقية، بجسد قائم لوحده في الفضاء وكأنه قد تصلب مثل بقية الأشياء المادية في العالم.

 

 هذه الكولاجات الحروفية ليست وفيرة في الفن التشكيلي العربي. إنها تخرج من مجال الرسم ثنائي الأبعاد وتتلامس مع نحت بارز ثنائي الأبعاد كذلك. في لوحته (Archaelogical scene no.2. 1983) نلاحظ أن الكولاج مهتمٌ بمنح الحرف ملمس مادة بارزة، ناتئة. يريد الحرف الخروج من فضاء العمل ويكوَّن عملاً نحتياً. في حين أن عمل العزاوي (Enkido Mask 1985) فهو كولاج مستمد، من الزاوية الكروماتيكية، من ألوان العزاوي المفضلة ولا يبرز الحرف كشيء ناتيء مندمجاً مع مادة الخشب المتحولة، ببساطة متناهية، إلى عمل فني مقنع تماماً.

وعلى ما يبدو فإن المراد من هذه الكولاجات هو جعل أثيرية الحرف وخفته محسوسةً وملموسةً باليد. هذا هو كذلك ما تريده مجمل أعمال العزاوي التي نُفِّذت على أنها أعمال نحتية.

 

يهدف الكولاج، في تقديرنا، إلى التخلص، من جهة، من رتابة السطح المرسوم بطبقة موحَّدة من الزيت (أو أية مادة عضوية أخرى)، ومن جهة أخرى إلى خلق حوار هارموني بين مواد من طبائع مادية مختلفة بل متناقضة أحياناً.

إن خلق سطح ذي أبعاد متعددة، سطح يوحي بالعمق هو ما تستهدفه كولاجات العزاوي الذي يستخدم عناصر ذات سطوح مستوية (عنصر الحرف بالدرجة الأولى). تناقض يؤدي إلى عالم تشكيلي لـُعـْبـي Ludique، يتشكل من المفارقة بين النتوءات النحتية والألوان البهيجة.

نرى هنا إن ما هو ناتيء إنما هو ملونٌ بشكل صارخ بحيث أننا نحدس ظل الكولاج خلف لون مادة الكولاج الملصقة.

لسنا إلا مجازاً أمام أعمال نحتية.

إننا أمام كولاجات جريئة تغامر في بروزها ونتوءها حتى الصعود والتعالي على سطح اللوحة، وتغدو كائنات حسية منفصلة تعيش، تقريباً، حياتها الخاصة في فضاء ثنائي الأبعاد. إن تقديم (الحروف) ككتلٍ ذات أبعاد ثلاثة أي نحتاً هي تجربة صعبة التحقق، حتى في إطار مذهب جد حداثي في النحت وما بعد حداثي. ذلك إن جذورها، ككتابة، تتبقى لصيقة بخلفية أحادية الأبعاد (ورقة بيضاء مثلاً). يتعلق هذا الأمر بوظيفتها الأصلية، المهجورة الآن في رسم الفنان. وظيفة الكتابة هي توصيل المعاني وليس هذا دورها في عمل العزاوي دون شك.  يجب أن نحسب للعزاوي جرأته في (إخراج) الحرف من عالمه (ذي البعد الواحد)، كما سيقول شاكر حسن السعيد، إلى عالم ذي بعدين على الأقل في أعمال تقف بين النحت والكولاج والرسم. واقفة في حيرة من نمط جمالي.

 

سوى أن أعمال العزاوي ضخمة الحجوم التي تقترب أكثر فأكثر من النحت مثل جداريته في فندق ريجنسي في عمان (400X 500 متراً) تقوم على أساس منح الانطباع الذي تمنحه لوحات العزاوي ولكن بالإقتراب كثيراً من مناخات  الفن الغربي الحديث.في هذه الإعمال ثمة شعرية دفّاقة تنبثق من ضخامة الكتل الـمبرَّزة عمداً في الفضاء، ومن الطبقات المتراكبة والمتحاورة عبر بعدين اثنين فحسب حتى اللحظة.

هذه الأعمال تقوم على مادة الخشب اصلاً الـمتخـفـِّية وراء ألوان سنصفها بالشاعرية.

 

هل يمكن أن يخرج من هذه الأعمال نحت ثلاثي الابعاد، نحتٌ بالمعايير المتعارف عليها؟

ان عمل العزلاوي (وردة الصحراء) الـمنُجز سنة 2001 القائم على ذات الأصول ولكن الطالع نهائياً من الحائط منتصباً وسط القاعة ويمكن رؤيته من الأمام ومن الخلف هو محاولة باتجاه مغاير في تاريخ الفنان. وإذا ماكنا لا نستطيع بعد رؤية العمل من جوانبه، وهو ما يشكـِّل معضلة بالنسبة لفن النحت التقليدي، فإن العمل يبشِّر بانتقالة جديدة ممكنة.

 

وعلى أية حال فإن هذه الأعمال كبيرة الحجوم تشكل بهجة ما بعدها من بهجة لعين المشاهد ولا يهم أن تكون لوحة معلقة على الجدار  أو نحتاً بارزاً مرسوماً ما زال معلقاً على نفس الجدار أو أن تكون نحتاً طالعاً من مبدأ أقل تقليدية في فن النحت المعاصر.

 

العزاوي مفـسِّراً exigète  للعمل الأدبي

 

ستقف كل الأفكار المطروحة أعلاه وجهاً لوجه أمام العزاوي رساماً يستلهم العمل الأدبي والتراثي العربي.

 

فمن المعلوم أن ضياء العزاوي هو واحد من قلة نادرة من الفنانين الذين انهمكوا بمواظبة وصبر على استلهام القصائد الشعرية والملاحم الأدبية العربية،ومن ثم استلهام كبار شعراء العربية في أعمال تشكيلية. إن جهده في هذا المجال استثنائي في الحركة التشكيلية العربية، بل سنقول العالمية.

فمنذ سنة 1900 انطلق العزاوي في

............

................

....................

..........

شهدت مسيرته في هذا المجال، إلى جانب تطوره في جوانب أخرى، فترات وتحولات وانعراجات حاسمة.

 

واحد من الأعمال التي أثرت في الضمير الثقافي العربي كان عمله (النشيد الجسدي). تعبر أعمال هذا العمل، بدءً من عنوانها، عن الهم الفني الذي كان يستولي على الفنان. الأعمال هي أعمال مطبوعة بالسنكرين عن مخيم تل الزعتر استناداً على قصائد كتبها ثلة من الشعراء العرب بلغتهم الأم أو بالفرنسية (مثل الطاهر بن جلون). التشكيل هنا يستهدي مباشرة بواقعة دراماتيكية ويحاول أن يعلن عن سخطه إزاء السقوط الدموي للمخيم الفلسطيني في لبنان. جميع التكوينات في (النشيد الجسدي) تعيد تفكيك الجسد الآدمي وتعاود تركيبه لكي يعبِّر عن العذاب.

الجسد المعذَّب إذن واللحظة الدامية.

يجري التعبير عن هذا التمزق عبر (تمزيق) مجازي للتكوينات التشخيصية ومن ثم التشديد على أشكالٍ بعينها: (اليد) و(العين) بشكل أخص. أعمال الكتاب هي أعمال تشخيصية صريحة للغاية. غير أنها تشخيصية حرة لا تراعي الضوابط الواقعية، وتعيد تركيب العناصر الآدمية والحيوانية بالطريقة التي تمنح المشاهد انطباعاً مفاده أن الفنان ينتوي إطلاق صرخة مدوية.

هذا التوتر يظهر في وضعية الأيدي المرسومة وهي تتفتح في فضاءات الأعمال طالبة الغوث. يظهر كذلك في تكرار رسم العيون المبثوثة في التكوينات وكأنها الشاهد المرعوب على ما حدث. ثمة الحصان مرة أخرى هنا لكنه حصان يمتلك علاقة قرابة بالغورنيكا أكثر من صلاته بالحصان المرسوم في بغداد السبعينية المشار إليه في الصفحات السابقة. قرابة تقع في التشديد على رسم رأس الحصان الذي يطلق صرخة ألمٍ كبيرة.

 

يرتكز التشكيل على خلق تضادات واضحة بين المساحات السوداء وقريناتها البيضاء، بينما تبدو الخطوط متوترة وسريعة التنفيذ، وهو أمر لا نلتقيه في أعمال العزاوي الزيتية والغرافيكية.

 

في (النشيد الجسدي) تختفي تقريباً غالبية الثيمات الزخرفية لكأن هناك هم فيزيقي موطنه الألم العنيف غير معنيّ البتة بأي انشراح ذي طبع زخرفي.

سوى أن الميل إلى تقسيم العمل إلى أجزاء منفصلة كما منح الفراغ دوراً متميزا (وهو ما رأيناه في أعمال الزيت) يظهر كذلك في أعمال (النشيد الجسدي)، مثلما تظهر الكتابة ولكن ليس بوصفها العنصر الأبرز. إن تهميش الكتابة النسبي يريد أبعاد العناصر الشكلانية واللـُعبية والجمالية المفرطة التي يمكنها التأثير على سيادة الانطباع الحزين والاحتجاجي المطلوب.

أما الأعمال الملونة في (النشيد الجسدي) فهي ليست من نفس الباليتة التي نعرفها. فالبنفسجي المُستخدم في الطباعة والأخضر الفاتح لا نراهما إلا بندرة في أعمال العزاوي الأخرى. لكن (الفيكر-الشكل) الذي يواظب على الحضور ونتعرف عليه فوراً في جميع أعمال العزاوي التشخيصية، بما فيها أعمال (النشيد الجسدي) هو ذاك (الشخص الرافديني) برأسه المربع وعينه الوحيدة وانفتاحة فمه المستغربة.

 

بصرياً فإن أن فضاء الأعمال هذه مُحتشد قليلاً ومتجمهر (بالفيكرات-الأشكال). وإذا ما لاحظنا سابقاً أن بناء العزاوي الحروفي يقوم على أساس كتل تجريدية تتجاور، جنباً إلى جنب، بنيّة تقديم عمل يلامس البنائية ملامسة خفيفة، فإننا نزعم الآن أنه يمكن الاستعاضة عن تشخيصات العزاوي المتراكبة في (النشيد الجسدي) باشكاله التجريدية لكي نحصل على عمل من ذات البنيان.

 

إن الـبـُنـيـة واحدة في جميع أعماله مثلما أن تقسيم الفضاء واحد.

 

هذا الأمر يطرح علينا قضية فلسفية وابستمولوجية تتعلق بالعناصر العنيدة التي تظل راسخة في ذاكرة الفنان منذ بداياته الأولى حتى أواخر أيامه، وكيف أنها تخرج في البدء غامضة ليجري الكشف عنها بمرور الوقت، لتصير نمطاً، أسلوباً ميالاً للثبات النسبي.

 

هذا بالضبط ما تطرحه علينا مقابلة أعمال الطباعة في (النشيد الجسدي) بأعمال العزاوي الأخرى.

 

نقول ذلك لأن جميع الأعمال التي قدَّمها الفنان العراقي في ما أسميناه (تفسير) الشعر أو الحكاية التاريخية بطريقة تشكيلية تظل تشتغل، في تقديرنا، على مستوى مختلف.

فأعمال (مجنون ليلى- وردة الجنون) المتراوحة بين التخطيطات الغرافيكية القريبة من واقعية حرة وبين اللطخات اللونية السريعة القريبة من لوحات عزاوي المكتملة، لا تقدِّم (البـُـنـيـة) الموصوفة المتكررة مراراً طيلة أكثر من ثلاثين سنة. الألوان لوحدها في (مجنون ليلى) هي ألوان الفنان المعهودة.

 

تحل (لطخة) اللون العريضة، التلقائية في رسوم (أبو القاسم الشابي- إرادة الحياة) محل اللون المشغول بعناية. هنا نمط من التلوين يقوم على أساس ضربات لونية سريعة، عريضة، عفوية نكاد نحس فيها توتر الفنان. ضربات استخدم الفنان فيها، من دون شك، فرشاة عريضة قليلاً وراح يرسم بتوتر روحي عالٍ.

 

لماذا لا يظهر هذا النمط من التلوين إلا في تشكيلات العزاوي التفسيرية الأدبية هذه، وفي عمله عن أبي القاسم الشابي بشكل خاص؟

نظن أن للأمر علاقة في رغبة الفنان بمتابعة دفق النص الأدبي. يطلق الفنان فرشاته على سليقتها لكي تقتنص الدلالات الجوهرية للنص وتعرضها علينا من وجة نظر لغةٍ ليست اللغة الأدبية. النص الشعري يحرِّض اللغة البصرية على الانطلاق.

ثمة إذن مستويان هنا للممارسة التشكيلية: المستوى الأول هو مستوى التدفق الإنفعالي التشكيلي الـمُـثار بفعل النص الأدبي، والمطروح  لكي يرافق النص بصفته تشكيلاً. والمستوى الثاني هو مستوى لغة بصرية لها قواعدها الخاصة بها. لغةٌ لا تريد أن تكون مجرد تابع وشارح وموضِّح للنص بقدر ما تريد أن تستلهم من النص أعمالاً تمتلك منطقها الداخلي.

هذا الحذر، الواعي أو اللاواعي، من طرف الفنان قد قاد عملياً إلى ندرة الرسوم الواقعية أو شبه الواقعية في أعماله المصاحبة للنصوص الأدبية. (اللطخة) هنا هي الجملة التشكيلية الطالعة من دفق الشعر وتوهجه.

وفي تقديرنا فإن القيمة الفعلية لهذه الأعمال تكمن، أساساً، في كونها منتجة بكميات محددة جدا (أو كعمل واحد فريد) لعمل أدبي. بعبارة أخرى تكمن قيمتها في كونها (كتاب واحد نادر مصوَّر). إنها لا تصلح في تقديرنا أن تُعلـَّق في صالة عرض إلى جوار لوحات العزاوي ذلك أن وظيفتها تختلف جذرياً.

 

 

 

هكذا نرى أن الوظائف والحوامل supports، حتى في العمل التشكيلي الذي يُعتقَد عادة بأنه في منأى عن إشكاليات (الهدف) و(الوظيفة) و(الحامل)، هذه الوظائف هي التي تحدد، في آن، لغة العمل وتقرر مكانه الملائم لدى العرض.

 

أما (المعلقات السبع) المنفذة سنة 1978 فإنها تحتوي على ثمانية أعمال طباعية وتقدِّم المعلقات الجاهلية المعروفة إضافة إلى عمل ثامن ييقدِّم تمثيلاً بصرياً للقصائد مجتمعة في تكوين واحد.

 

من الناحية الإسلوبية ثمة استمرارية لنمط أشغال (النشيد الجسدي) لجهة معالجة الفضاء وطبيعة الأشكال التشخيصية. الملحوظ في أعمال المعلقات انها أنجزت عبرالكتابة اليدوية الوفيرة المحيطة بالأشكال. يريد العزاوي عبر كتابة النصوص الشعرية بيده منحنا الانطباع بأننا إزاء مخطوطة قديمة تدلَ على شخصية منجزها. الكتابة هي خط العزاوي الشخصي الحميمي الذي يمنحنا الإحساس بأننا نقف أمام واحدة أو أكثر من الرسائل الشخصية للفنان العراقي. ثمة إذن حميمية في التنفيذ واندماج للفنان بموضوعه وثمة انخطافه بعوالم النصوص الشعرية الـمُعالَجَة. تتابع الأعمال لهذا السبب سيرورة الأبيات الشعرية وتود نقلها إلى فضاء شكلي محض. مما يعمِّق هذا الأمر استخدام العزاوي بشكل طاغ للون الأسود ثم تصعيده باللون الأحمر في أماكن مختارة. هذه التقنية التي تقدِّم، في الحقيقة، تضاداً لونياً حفيفة لكن مؤثراً، تعطي، من جهة أخرى، الانطباع بأننا في حضرة أسلوب المخطوطات العربية الإسلامية. هذه المخطوطات تستخدم الحبر الأحمرفي مفاصل معينة من مفاصل النص المكتوب: نهايات الفقرات مثلاً أو بداياتها أو من أجل الإعلان عن أبوابه الرئيسية وما شابه ذلك.

لا ننسى القول أم الغلاف الذي يضم أعمال (المعلقات السبع) يشكل عملاً تاسعاً لا تنقصه قوة وحرارة بقية الأعمال، رغن أنه مطبوع على خلفية زرقاء.

 

لعل التجربة التشكيلية- الشعرية التي تسبق وتمهِّد لأعمال المعلقات هي أعمال العزاوي المستندة إلى شعر أبي الطيب المتنبي المنفذة سنة 1977 (جزء منها موجود الآن في الدوحة- قطر) وفيها يظهر بإلحاح ذو مغزى مبدأ المربع المشار إليه آنـفاً.

 

بعد سنوات قليلة سيُنجز العزاوي (سنة 1982) أعمالاً طباعية جديدة هي (Homage to Baghdad, London 1982 : على شرف بغداد) المنفذة بتقنية السنسكرين أي الطباعة على الحرير.

هذه الأعمال تندفه، بجسارة، كأعمال ناضجة لفنان ناضج أسَّس، منذ حين لإسلوبه الفردي. هنا يتزاوج الحرف العربي، المرسوم رسماً ونقاء بالألوان الغادية أبعد صفاءً بسبب إمكانيات السنسكرين. ثمة إشراقة الألوان الأكثر صراحة والعمق العميق لذام الأسود في بعض الخلفيات وهما يتقدمان ، ضمن حجوم صغيرة نسبياً لأنها أعمال طباعية وليس بلوحات للجدار،  كأ‘مال في قمة الفتوة والراعة والوضوح.

 

(على شرف بغداد) هناك تلخيص مقنع ودقيق لجزء جوهري من تجربة العزاوي في الرسم عموماً.

 

أعمال السنسكرين هذه هي تجريدية في المقام الأول مقاربة بعمل العزاوي الطباعي الآخر (ألف ليلة وليلة) المنجزة سنة 1986التي تخوِّض في التشخيصية. من جديد ثمة ذاك الميلان المستمر بين ذينيك القطبين في الممارسة التشكيلية.

في (ألف ليلة وليلة) لدينا استيهامات من مصادر متنوعة، ففي أحدى أعمالها (gravure) هناك إعادة تمثيل لشهريار وفقاً لعمل آشوري. تقنياً نرى العزاوي إضافة العزاوي باليد للون مائي إلى العمل الطباعي هذا من أجل إضفاء قدر عال من التناسق والإنسجام. وفي عمل آخر من المجموعة نفسها ثمة استيهام من رسم شعبي من تلك الرسوم التي كانت توضع في مقاهي بغداد والمعروفة باسم (بنت المعيدي) والتي تدور حولها حكاية شعبية تقول بأن تاجراً جاء واختطفها إلى مكان مجهول.

 

بعد هذين العملين المستمدين من التاريخ القديم للعراق بالنسبة لأحدهما وتاريخ الخرافة الشعبية بالنسبة للآخر تبدأ (الليالي) ويتناوب الفنان في تنفيذها في ثلاث تقنيات طباعية مختلفة : الليثوغراف (8 أعمال) والغرافور gravure (3 أعمال) وبقيتها طباعة على المعدن.

بعض أعمالها هناك أضافات يدوية من جديد، لون مائي في الغالب.

 

 أيضيف العزاوي لوناً لكي يمنح العمل فرادة وخصوصية تامة المناهضة لفكرة الطباعة نفسها القائمة على إعادة إنتاج نسخ عدة من عمل واحد؟

 

يخيل إلينا أن أضافة لون جديد إلى ألوان الغرافيك الطباعية الأصلية بمثابة إرجاع للعمل، ولو من بعيد، إلى مجال الرسم الذي لا نسخة له. انه نوع من تأصيل للطباعة وادماجها في حقل الرسم. الزيتي (أو المائي..)

 

يظهر في أعمال أخرى من (ألف ليلة وليلة) إطار حول العمل جرى رسمه بتكوينات وكتابات وهو يذكرنا بما كان يعمله الرسام البلجيكي (آليشنسكي)، بينما تُظهر أعمال الطباعة على المعدن خصائص تقنية عالية خاصة عبر استخدامها ( للأكواتنت) الذي، من جهته، يغطي السطوح بأسود صاف، بالغ العمق. ثمة لاستخدام وافر للألوان يدل على مقدار هيمنة الفنان على تقنيته على تنوع انشغالاته البصرية.

 

أن ولع ضياء العزاوي بالشعر العربي، الكلاسيكي والحديث، كان يتأكد سنة بعد أخرى، وهو يقدمّ إنتاجاً كثيفاً في الطباعة أو الرسم بكتب وحيدة تستلهم بدر شاكر السياب (1968؟) حيث دفأ اللون البني المتزاوج مع النص السيابي، مظفر النواب (1972؟) وهي واحدة من أقدم أعماله بهذا الاتجاه وما زلنا نرى فيها تأثيراً تشخيصياً من الحقب السابقة من تطور الفن التشكيلي العراقي ، قصيدة أدونيس (صقر قريش) سنة 1983، ناديا تويني (1990) حيث ينطبق عليها تحلينا بصدد أعمال أبي القاسم الشابي من الزاويتين كليهما اللونية والاسلوبية، محمد مهدي الجواهري (1989) وهي القصائد العشر التي رسمها الفنان لقصائد لهذا الشاعر العربي العمودي حيث سنلتقي ببهجة ما في معالجة الفضاء وفي تلقائية لونية وفضاءات غير معهودة كثيراً في عمل العزاوي، ثم (تحية إلى بيروت) وتجمع قصائد لستة شعراء عرب معاصرين: نزار قباني ومحمود درويش من بين آخرين رسمها سنة 1989، وسعدي يوسف (1995) حيث يسمى العزاوي عمله (مطوية شعرية) لأن العمل التشكيلي يحاور النص فعبر صفحات كتاب مطوي يمكن كذلك فرشه وعرضه كعمل بصري حديث،  و (كتاب الحب) لمحمد بنيس سنة 1996، ثم أعمال ليثوغرافية مستلهمة من أعمال الشاعر اللبناني المنتحر خليل حاوي والمنجزة سنة 1980؟.

 

 

من المهام التي اختارها العزاوي فناناً هي أن يكون مفسِّراً تشكيلياً للنص الأدبي بالمعنى الراقي لكلمة (مفسَّر)، من دون أن يتخلى للحظة عن لغته التشكيلية وخياراته الفنية ومن دون أن يكون رسام أشكال توضيحية، بالضبط كما كان يفعل سلفه الواسطي رسام العمل الأدبي (مقامات الحريري).

 

جنيف2001



[1] سنعاود تعريف بعض الإصطلاحات التي نستخدمها بالعربية في هذا البحث. نقصد إذن بالتخطيط الكلمة الإنكليزية Drawing  وبالفرنسية Dessin أي ذاك العمل التشكيلي العمل القائم ، بدون ألوان، على أساس كونه أثر غرافيكي على سطح من السطوح. 

[2] المقصود بالرسم هنا الكلمة الإنكليزية Painting، أي العمل التشكيلي الملون بالوان عضوية مثل الزيت.

[3] المقصود بالكلمة خلاصة تركيبية ناتجة عن مجموعة من العناصر التشكيلية أو الذهنية، كأننا أمام أطروحة مثلاً متكونة من فصول مختلفة لكنها تمتلك خلاصة واحدة نهائية.

[4] المقصود هنا بالفعل illustrer الرسم التوضيحي

[5] Riegl, Alois : Question de style, fondements d’une histoire de l’ornementation, trad. de l’allemand par Henri-Alexis Baatsch et Françoise Rolland,  préf. de Hubert Damisch, Ed. Hazan, Paris 1992 (d’apré l’édition de 1893)

 

[6] Principe iconique

[7]  يمنك أن نقول كلمة أكثر تفصيلاً وأعقد عمما نقول هنا عن المبدأ الإيقوني، ضرورات البحث تضطرنا لتقديم تعريف يتماشى مع تأملاتنا عن عمل العزاوي.

[8] من التخطيط بالأسود والأبيض المفرغين منن الألوان