العدد: 3372  الأربعاء: 09-05-2001

صحيفة الجماهيرية

 

أصدقاء في الشبكة .. 3/ البيت الواحد

بقلم

رامز رمضان النويصري

أنطولوجيا البيت الشعري الواحد، أو البيت الشاهر والقصيد الغائب، بهذا العنوان خرج بحث الشاعر والدكتور/ شاكر لعيبي-العراق، العام 2000، يقول في بداية بحثه مجيباً عن سؤاله، ما هي أهمية البيت الشعري الكلاسيكي الواحد ؟: (يمتلك البيت العربي الكلاسيكي بناءً داخلياً يؤهله لأن يكون كياناً مستقلاً، ومنفرداً بنفسه،، إن وحدة البيت الشعري الكلاسيكي واكتماله هو ما جعل من بعض الأبيات الشعرية مراجع أساسية للحكمة المقالة في بنيات لغوي محكم وشبه كامل)، وحال قراءتي لهذا البحث كان كتاب (قصيدة البيت الواحد) للأستاذ/ خليفة التليسي، حاضراً بين يدي.

وجهة نظر.. بينما انطلق بحث الأستاذ/ التليسي تأصيلاً لهذا البيت، والبحث في كتب التراث تقعيداً لهذا البيت كونه وحدة متكاملة البناء، إذ أنه كافٍ للقصد، وإن أتفق د. لعيبي وهذا الطرح، إلا أنه نظرياً من أنصار كلية النص، أمام عملية البيت الشعري تطبيقاً، لذا كان بحثه في التفاعل بين (وحدة القصيدة) و(وحدة البيت)، ويورد: ( بمعنى أننا لا يمكن دوماً أن نستخرج أبياتاً مكتفية بذاتها تماماً، رغم اكتمالها الشكلاني، من دون السياق العام للنص. السياق هو في نهاية المطاف، من يمنح أبياتاً منفردة، مهمة للغاية قيمتها الفنية).

ويدعم هذا الرأي (النظري) بان الوزن من أهم العناصر التي تشد البيت الذي يعتبر شكلاً إيقاعياً يتردد ضمن سياق النص، وهو لا يغفل اكتفاء البيت بتـفعيلاته، فهو وزناً مكتمل نسبياً، وهو في هذا يعول على القافية، خاصة إذا كانت من القوافي الموقعة، ذات الشحنات النفسية التي تمنح البيت الشعري الواحد، الطاقة اللازمة لتميزه.

استعارة.. يستمر د. لعيبي، في بحثه من ناحية تقنية، فيقرر تحت عنوان (قراءة تجريبية بحثاً عن الاستعارة)، فيقول: (ومن أجل اقتناص هذا البيت الكامل المكتمل، فقد حاولت القراءة التجريبية التالية، لقد افترضنا أن استعارة باهرة ستجلب الانتباه فوراً أياً كان موقع البيت في القصيدة).

فنحن نقف أمام صور خائلية* رائعة، منطلقة من موقف واعي، لأنها وهي تختزل، كانت تدرك تماماً ما تفعل من قصرها عن تتبع الإطنابات وحواشي الكلام.

ولعلنا أو لعله يبدو جلياً، الاختلاف بين البحثين (أو كما ظهر لي)، فهما وإن اتفقا في مبدأ (البيت الشعري الواحد)، وجدواه، فلقد اختلفا منهجياً، فبينما كان بحث الأستاذ/ خليفة التليسي تأصيلياً وبحثاً عنه، اتجه د. لعيبي في بحثه ربط هذا البيت أو الوحدة بالمعمار الكامل للقصيد، معتمداً أن البيت رغم اكتماله واكتفائه بذاته، إلا أنه لا يملك كل هذه المؤهلات غلا بقدر ما يمنحه القصيد له، وعلى هذا يصح قوله بأنه لم يوجد في التاريخ العربي من كان شاعر بيت، أومن كان يقول الشعر بيتاً واحداً، إنما هناك أصحاب اليتيمة (القصيدة الوحيدة للشاعر)، إنما كانت العرب تورد البيت الشاهد من القصيدة وتغيبها.

وقبل أن أختم لا يفوتني أن أذكر أن د.شاكر لعيبي، شاعر ونصه يتمتع برؤية خاصة، فهو لا يريد أن يبتعد من رصيد الشعر العراقي الكبير الثري، ففيه من جزالة اللفظ والتأثير التراثي ما لا يمكن أن نجده إلا عند شعراء العراق (وهذه الميزات طالما كررها الأستاذ/ محمود الجندي)، يقول د.لعيبي من (عربي على دراجة هوائية):

أنا رقصة الجندي في ليلة احتلال العاصفة / بحثت عن معنى في حبات الرمانة / فتشت عن الحقيقة الجارية في السواقي / أكلت قلب الشجرة / لكن تدفق الفجر أكلني / نمت رخي البال بين فكي أسود بابل / لم تهجع الأخطبوب الرابط في قلبي / ولن تنم الزنابق الدوارة حول أسطورتي.

 

* خائلية، مصطلح رأيته مناسباً لوصف الصورة الخيالية، أو المتخيلة، وهذا المصطلح اشتقه الدكتور/ نبيل علي، وأورده في كتابه (الثقافية العربية وعصر المعلومات)، منشورات عالم المعرفة.