دراسة سعودية عن أعمال الخشب المعمارية في الحجاز تطالب بإحياء هذا الفن الإسلامي العريق

الرياض: ناصر العلي
في خطوة لاحياء الفن الاسلامي في السعودية صدرت أخيراً دراسة بعنوان «أعمال الخشب المعمارية في الحجاز في العصر العثماني» للدكتور ناصر بن علي الحارثي، حيث قام بحصر التراث المتبقي من أعمال الخشب المعمارية في مدن الحجاز ودراسة 98 عملاً مع العناية بالأعمال الخشبية المعمارية بقصر الملك فيصل بحي الشامية في مكة المكرمة.
ويبرهن د. الحارثي في دراسته الصادرة عن ادارة المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالرئاسة العامة للحرس الوطني على أن قصر الملك فيصل أقدم أثر مدني بالحجاز إذ يحتوي على ثلاثة منازل بنيت في فترات تاريخية مختلفة يتضح فيها التباين في الطراز المعماري والاسلوب الفني والغرض الذي أنشئت من أجله.
ويؤرّخ الباحث المنزل الأول الذي يقع في مؤخرة القصر بعام 1030 هـ، كما هو مسجل باللوحة التأسيسية التي تعلو بوابة الدخول الرئيسية لفنائه الداخلي. والمنزل الثاني الواقع في المقدمة تم بناؤه عام 1232 هـ كما هو مسجل على بعض أعماله الخشبية، أما الثالث الذي يتوسط الأول والثاني فقد أرجع الباحث بناءه إلى القرن الثاني عشر الهجري وذلك لوقوعه بين المنزلين الأول والثاني اللذين بنيا في فترتين متباعدتين، وانفصال كتلته المعمارية عنهما واختلاف التصميم الفني في أعماله الخشبية عنهما وما يتضح على أعماله الخشبية من ثراء فني سواء في التصميم أو الزخرفة.
واعتمد الباحث على رحلاته العلمية إلى كل من تركيا ومصر لاستكمال المادة العلمية حيث قام في هذين البلدين باجراء الدراسات الميدانية المقارنة، فزار الأحياء القديمة في استانبول وجامعتها ومركز الابحاث والتاريخ والفنون الإسلامية وغيرها. ومتحف الفن الإسلامي بمصر ودار الكتب المصرية ودار الوثائق القومية وجامعة القاهرة والمباني الأثرية الإسلامية في أحياء القاهرة القديمة.
وتناول د. الحارثي دراسته في قسمين الأول تحليلي ويشتمل على بابين أولهما يتعلق بالصناعة ويحتوي على ثلاثة فصول، الأول منها خصص لصانعي الخشب في الحجاز وتحدث الباحث فيه عن أعدادهم مما كان له أثره الكبير في الارتقاء بالصناعات الخشبية في الحجاز خلال العصر العثماني، وتطورت من خلال عوامل أخرى كالحج والعمرة، والهدايا النفيسة التي كان يرسلها الخلفاء والأمراء والأثرياء من المسلمين، والبعثات الصناعية السلطانية، ونظام طائفية النجارة والمراسم المتبعة لأعضائها. ثم تطرق في هذا الفصل إلى ملابسهم وأجورهم وأسماء بعضهم مع عمل ترجمة لها ما أمكن ومعرفة الأسلوب الفني لبعضهم. أما الفصل الثاني فيبحث طرق تنفيذ الزخارف على الأعمال الخشبية المعمارية في الحجاز خلال العصر العثماني، وأوضح الباحث في مستهله أهمية أعمال النجارة وما تبع ذلك من تعدد لتخصصات أربابها، ثم تطرق إلى أنواع الأخشاب المستخدمة في الحجاز وبين قوتها الشرائية واهتمام المسؤولين بانتقاء الأنواع الجيدة من الخشب للمباني الدينية. وتكلم عن الأخشاب المحلية والمستوردة وبين خصائص كل منها، موضحاً أهم النماذج في أعمال النجارة من عدد صغيرة كالمناشير والفارات والمبارد والأزامل والمثاقيب والبنط والقدوم وغيرها.
وخصص الباحث الفصل الثالث للتصميم الفني لأعمال الخشب المعمارية بالحجاز وعلاقته بالتصميم المعماري للمباني، فتطرق إلى تصميم الأبواب مبيناً تأثرها بالتصميم المعماري للمباني، وكذلك الشبابيك وصلتها بالتصميم المعماري للمبنى وأنواع مصاريعها والرواشين وكيفية تركيبها.
أما الباب الثاني فقد خصصه الباحث في الدراسة التحليلية للزخرفة وتناوله في ثلاثة فصول ناقش فيها الزخارف الهندسية من بسيطة إلى مركبة ثم الزخارف النباتية المحورة عن الطبيعة والمنقولة عنها بشقيها المفرد والمركب، وفي خاتمة هذا الباب تطرق للكتابات ومضمونها ودورها الزخرفي.
ويصف د. الحارثي في القسم الثاني من الدراسة كل عمل وصفاً شاملاً من حيث نوع الخشب ومكان التصنيع وتاريخه والزخارف الممثلة به مع اجراء مقارنة بين الأعمال المشابهة، والتأصيل والمقارنة ببعض الأعمال خارج الحجاز.
وختم الباحث دراسته بعدة نتائج علمية منها: أن الاثراء الفني تركز في مكة المكرمة ثم جدة فالمدينة المنورة أما بقية المدن الحجازية فلم ترق الأعمال التي بها لمستوى عال. كذلك وجد الباحث أن لكل مدينة اسلوبها الفني المتميز حيث ظهر في مكة المكرمة الزخرفة المكية، ويماثل الاسلوب الفني لمدينة جدة نظيره بمكة المكرمة فيما عدا الزخرفة المكية لم تشاهد في جدة أما المدينة المنورة فقد انتشر استخدام الزخرفة المشعة. كما كشفت الدراسة عن استمرار الأساليب الفنية العثمانية في زخرفة الأعمال الفنية السعودية اضافة إلى ما ابتكره الصناع السعوديون من أساليب.