الأحد5 صفر 1422هـ 29أبريل 2001 -العدد68                 

الأسقف السميكة في المغرب وأبراج الرياح فى إيران والبيوت تحت الأرض فى تونس

 

القاهرة ـ محمد رفعت

 

اتسمت الأحياء السكنية في المدن الاسلامية بضيق شوارعها وأسواقها المغطاة ومساجدها التي أحيط كل منها بمنطقة آمنة وحرم مفروش بالحجارة. واذا كان الزائرون لهذه المدن يجدون فيها ما يسر أنظارهم من فنون العمارة وما توحيه من جماليات، إلا أن الباحث المتخصص سوف يتعرف على الوسائل التي استطاع بها المعماريون المسلمون أن يشيدوا منشآت تلائم ظروف المناخ القاسي الذي يتسم بالجفاف وشدة القيظ أو بالبرودة الشديدة، وهو ما قام به بالفعل الباحث يحيي وزيري في دراسته التي نال بها درجة الماجستير في معهد الدراسات الاسلامية بالقاهرة، ويقول وزيري في مقدمة رسالته: (من المعروف أن مدن العالم الاسلامي لا تقع كلها في مناطق ذات ظروف مناخية واحدة، فكثير من المدن العربية تقع في مناطق جغرافية تتسم بسخونة أجوائها وارتفاع نسبة الرطوبة في أشهر الصيف، كما تقع العديد من المدن الاسلامية في تركيا وايران واليمن في مناطق تتسم بطقس شديد البرودة في الشتاء، وعلى الرغم من هذه الظروف المناخية المتفاوتة، إلا أن المعماريين المسلمين نجحوا في اقامة المباني التي تتكيف مع هذا التفاوت البين.. فالمدن الاسلامية التي تمتد من شمال افريقيا الى باكستان في شبه القارة الهندية تقع في مناطق صحراوية أو شبه صحراوية، ففي مدن مثل القاهرة والقدس وعمان والرياض والمدينة المنورة ومكة المكرمة ومراكش والرباط وشيراز وأصفهان، استطاع المعماريون بناء منشآت سكنية تظل درجة الحرارة داخلها باردة في ساعات النهار ودافئة في الليل، وذلك ببناء الجدران والأسقف السميكة التي تلطف من درجات الحرارة نهارا وتخفف شدة البرودة ليلا.

ويبرر الباحث ضيق الشوارع والأزقة في معظم المدن الاسلامية في نفس هذا الاطار فيؤكد أن هذا الضيق كان مقصودا في حد ذاته حتى يرد غائلة القيظ ووهج الشمس، كما يقي سكان هذه المباني من العواصف والرياح الترابية، وساعدهم في ذلك توافر الطين والأحجار التي تم استخدامها بمهارة شديدة مما أكسب المنشآت العمرانية متانة وقوة وجمالا. وكذلك راعى المعماريون الاسلاميون القيم الدينية والإرث الثقافي المتمثل في الحفاظ على حرمة العائلات وخصوصياتها، وفي نفس الوقت الذي حرصوا فيه على أن تلبي مبانيهم حاجات السكان من المأوى والمتطلبات الاجتماعية والحياتية، خاصة وأنهم نجحوا في الاستفادة من المناخ الصحراوي الذي يتسم بارتفاع درجات الحرارة نهارا، مع تدني هذه الدرجات بعد أن يسدل الليل ستاره.

الكتلة الحرارية وقد استغل المعماريون المسلمون ما يعرف علميا باسم الكتلة الحرارية (Termal Mass) في بنائهم للمنشآت السكنية، وذلك ببناء الحوائط السميكة مع استخدام مواد ذات كثافة عالية مثل الطين والحجارة، حتى تتمكن من امتصاص كميات كبيرة من الحرارة أثناء النهار، وبحلول الليل وتدني درجات الحرارة في الخارج تكون هذه الجدران قد انخفضت درجة حرارتها هي الأخرى بفعل الهواء البارد مع احتفاظها بقدر كاف من البرودة في مكوناتها، ولهذا فعندما تعاود درجات الحرارة في الخارج الى الارتفاع تبث هذه الجدران البرودة مرة أخرى الى داخل المباني، ولا يتوقف تأثير الكتلة الحرارية على خفض حدة التفاوت الكبير بين درجات الحرارة في المناخ الصحراوي نهارا وليلا، بل امتد هذا التأثير الى إحداث ما يمكن تسميته بالإعاقة الزمنية للتغيرات الحرارية داخل المباني، فأعلى درجة حرارة يتم الوصول اليها تكون قبيل المغيب، أي بعد بضع ساعات من بلوغ درجة الحرارة خارج المباني ذروتها، وعندئذ تكون درجة حرارة الجو الخارجي قد بدأت في الانخفاض، وبالتالي تؤمن هذه الكتلة الحجرية من خلال انبعاث الحرارة توفير التدفئة للداخل طوال الليل.

أنواع أخرى

ويركز المهندس في دراسته على نماذج العمارة العربية في بعض المدن التونسية، ويشرح الطريقة التي لجأ اليها المعماريون التونسيون لمواجهة التفاوت الكبير بين درجات الحرارة نهارا وليلا فيقول أنهم اتجهوا الى بناء البيوت تحت سطح الأرض، بحيث تقوم التربة المحيطة بالبيت باختزان الحرارة أثناء النهار وبثها الى جدران المنزل ليلا، الأمر الذي يجعل درجة الحرارة داخل البيوت منتظمة وثابتة في ساعات النهار والليل، تماما كما هو الوضع داخل الكهوف، وهناك نوع آخر من البيوت تناوله الباحث أيضا وهو ذلك الموجود في باكستان وبعض دول شمال افريقيا التي تقع أجزاء منها في مناطق صحراوية أو شبه صحراوية، وهي البيوت ذات الفناء الداخلي الذي تحيط بجوانبه الأربعة صفوف من الغرف المتجاورة، وهذا النوع من العمارة يوفر أكبر قدر من المساحة السطحية وكتلتها الحرارية الكافية لاشعاع الحرارة ليلا، كما يقوم الفناء الداخلي بادخال تيار من الهواء البارد الى داخل هذه البيوت خلال ساعات النهار ودرجات الحرارة العالية، وكذلك يوفر هذا الطراز من البيوت ميزة اجتماعية أخرى، حيث توفر لساكنيها حيزا مفتوحا لممارسة الأنشطة المنزلية مع المحافظة على الخصوصية والحرمة، وهما أمران لهما شأن كبير في المجتمعات الاسلامية المحافظة بطبيعتها، أما في المناطق ذات المناخ المعتدل، فإن هذه الأفنية تمد المنزل من الداخل بالانارة الطبيعية والهواء العليل، بحيث لا تكون هناك حاجة ملحة الى وجود نوافذ في الجدران الخارجية، وعلى جانب آخر فإن هذه البيوت تساعد الجيران على بناء حوائط مشتركة مما يخفض من التكلفة النهائية للبناء، ويشيع روح التعاون المثمر بين الجيران المسلمين، وفي نفس الوقت فإن ضيق الشوارع والأزقة في المدن الاسلامية قد ساعد على بقاء هذه الشوارع ظليلة، كما أنه يساعد على كبح هبوب الرياح والحد من آثارها، وقد أفرد الباحث يحيي وزيري صفحات كثيرة من دراسته شرح فيها بالتفصيل وبالاستعانة بالصور الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية مقاييس ونسب والخامات المستخدمة في بناء بعض النماذج الشهيرة لهذه البيوت في القاهرة وعواصم عربية أخرى، ومن احدثها بيت الدكتور المهندس سامي عنقاوي في مدينة جدة، والذي بناه على الطراز الاسلامي، واعتمد تماما في تكييفه وتبريده وتدفئته على الحيل المعمارية التي لجأ اليها المعماريون المسلمون، مضيفا اليها بعض تخريجاته الخاصة التي استفاد فيها من دراسته للهندسة المعمارية الحديثة.

مباني الكتل الطينية

وخصص الباحث جزءا من دراسته لطرق التبريد والتدفئة في العمارة الاسلامية في المناطق الباردة أو الرطبة، والتي لا تصلح معها ذات الأفنية الداخلية، ففي المناطق الجبلية على سبيل المثال يكون برد الشتاء قارسا الى الحد الذي تعجز فيه الأفنية عن توفير انبعاث الحرارة الكافية لتدفئة الداخل، كما أن ارتفاع معدلات الرطوبة في المدن الساحلية يخفض من معدلات التبريد التي توفرها هذه الأفنية خلال ساعات النهار، فضلا عن ذلك فإن العواصف التي يشيع هبوبها في الكثير من البلدان الاسلامية تسبب الكثير من المشاكل داخل هذه البيوت، ففي شرق ايران على سبيل المثال تهب العواصف لمدة أربعة شهور في نهاية فصل الربيع وطوال فصل الصيف، لذلك لجأ المعماريون الى تغطية سطح المبنى كله، مما يحول دون نفاذ الهواء المحمل بالأتربة، كما ابتكر المعماريون أيضا أبراج الرياح في المدن الايرانية كوسيلة للتهوية ومستودع للكتلة الحرارية، ولقد تمت اقامة هذه الأبراج بعلو كبير نسبيا، وهو الأمر الذي ساعدها على اقتناص نسمات الهواء البارد، كما روعي وجود نوافذ في البرج في مواجهة اتجاه الرياح اذا ما كانت تهب من اتجاه واحد فقط، أما اذا كان من المعتاد تغيير اتجاهاتها، فيتم فتح النوافذ في أكثر من جهة، كما يعمل برج الرياح كمستودع للكتلة الحرارية حيث أن أحجاره تبث الحرارة المخزونة طوال النهار في ساعات الليل الباردة مما يؤدي الى برودة هذه الأحجار ومن ثم فإن الهواء الذي يلامس البرج يتعرض للتبريد .

ولأن الهواء البارد أثقل من الهواء الدافئ، فإن الأو ل يهبط عبر البرج الى داخل البيت، كما لجأ المعماريون الايرانيون في بعض المباني الى توجيه الهواء الجاف البارد الآتي من البرج ليمر عبر مياه نافورة أو بركة، أو يتم دفعه للمرور خلال نفق رطب، وذلك للاستفادة من ظاهرة التبريد التي تنجم عن تبخير المياه.

بيوت جدة

و يتحدث الباحث عن بيوت جدة، فيعتبرها نموذجا جيدا لقدرة المعماري المسلم على مواءمة المباني للمناطق ذات المناخ الرطب، حيث يكون المناخ مشبعا ببخار الماء، فيقول أن بيوت هذه المدينة قد روعي فيها وجود نظام كاف في التهوية، وذلك لقصر فترة الليل في الصيف مما لايكفي لتبريد حوائط المبنى، كما قام المعماريون ببناء بيوت عالية تصل الى ارتفاع سبعة طوابق مع مراعاة وجود فراغات بينها حتى لا تعوق انسياب الهواء وتوفير فتحات كبيرة تكفي لتزويد المبنى بممرات هوائية للتهوية، وتغطي هذه الفتحات بنوافذ خشبية كبيرة مثبتة على الحوائط الحجرية الخارجية تعرف باسم (الرواشن) والتي تسمح كذلك بدخول الضوء، كما تسمح لسكان البيت برؤية الشارع بدون أن يراهم المارة، الأمر الذي يحافظ على خصوصية العائلة وحرمتها.

أما في المناطق الجبلية فقد واجه المعماريون تحديات من نوع آخر، بسبب طقس الشتاء القاسي، ففي المغرب واليمن تم بناء البيوت على شكل ناطحات السحاب العالية والتي يتاخم بعضها بعضا، كما روعي أن تكون واجهاتها الجنوبية معرضة دائما للشمس مما يساعد الجدران على امتصاص أكبر قدر من حرارة الشمس. أما في منطقة عسير بالمملكة العربية السعودية، فلقد صممت المبانى بطريقة مشابهة للمبانى فى أوروبا، حيث يتم تقليل مساحة الأسطح المعرضة للاشعاع وذلك ببناء المنازل متلاصقة.