البيوت الشعبية في نجران ومقاومة عوادي الزمان

نجران هادي الدغيس

* تعتبر البيوت الشعبية في نجران من أجمل وأدق المعمار الشعبي في العالم وذلك لاحتوائها على مجموعة من الأسس المعمارية التي ترتبط ارتباطاً أساسياً بالعمارة الشعبية وخاصة الأسس الأصيلة التي ابتكرها الخيال الشعبي التلقائي لخدمة البيئة والحياة والتي يأتي من أهمها ارتباط العمارة الشعبية بخامات البيئة والاستفادة الكاملة من موفورها وتحمل العمارة الشعبية تبعات السنين لمرونتها مع البيئة المحيطة بها وتأكيد الخدمات الإنسانية وتوزيعها بشكل دقيق لمواجهة مصاعب البيئات المختلفة من مناخ إلى تقلصات والاكتساء بمظاهر الفتنة والجمال ذات المذاق التلقائي النابع من صدق وبساطة العمارة الشعبية واظهارها الشخصية المتميزة لكل بيئة بالاضافة إلى السمة التاريخية التي تربط البيوت الشعبية بتجارب وعادات وحياة الإنسان في كل العصور.والبيوت الشعبية أو الطينية في نجران لها شكلان خارجيان لا ينفصلان من حيث الشخصية العامة للبيوت الشعبية في نجران. فهما يمثلان شكلين لطرازين أحدهما عبارة عن مستطيل ذي ارتفاع شاهق كالمسلة يضيق من كل جوانبه كلما ارتفع إلى أعلى بخط ميل من الأرض بسيط حتى تكون قاعدته أعرض من قمته وهذا النوع ذو خط رأسي مستقيم ولا تتخلله انكسارات ويتكون هذا النوع من مجموعة من الطوابق تصل أحياناً إلى ثمانية وتسعة طوابق وقد كان شائعاً في القرون السابقة في منطقة نجران إذ ان منه ما يصل عمره إلى 300سنة وله سلم مقام في وسطه "الدَّرج" من القوائم الخشبية الصلبة المغطاة بطبقات من القش والطين تفتح على كل غرف أو حجرات البيت. وهذا النوع من البيوت يعتبر بالنسبة للمنطقة بيوتاً أثرية وتاريخية لأن معظمها قديم ومعمر وله تاريخ مع أجداد القبائل النجرانية.أما النوع الثاني من البيوت والتي لازالت موجودة حتى يومنا هذا فهو ذو شكل قريب من النوع الأول مع اختلاف قليل من الخارج إذ ان فيه كل دورين تقريباً يستقيمان على بعضهما ويجيء ما بعدهما فيأخذان مساحة أقل من أحد جوانب البيت وهو عادة لا يرتفع بطوابقه كثيراً.وقد عُرِف البناء بالطين في بلاد كثيرة قديماً وحديثاً لكنه لم يصل إلى قوة تجربته في نجران من حيث الثبات والاستقرار تجاه عاديات الزمان.. والدليل على ذلك المصريون القدماء الذين بنوا بيوتهم وبلادهم بالطين والاشوريون والبابليون استخدموا واقاموا مثل هذه البيوت كما فعل الافريقيون في بناء أكواخهم والهنود في بناء بعض معابدهم ولازال حتى الآن يستخدم في الواحات المصرية والليبية وفي الريف المصري وفي الصحراء الافريقية والصحراء الغربية وفي بلاد أخرى من العالم لكنه مع هذا لم يصل إلى قوة ومتانة وجمال البيوت النجرانية، فقد استغل الخيال المعماري للإنسان في نجران هذه الخاصية المميزة لتربة نجران وما في طينتها من تماسك فأقام تصميمات ذات روعة وجمال لا تقدر على ابراز سماتها الجميلة امكانيات الطين بدون مهارة وصبر واتقان

 

عن جريدة الرياض الخميس 26 تموز 2001