شاكر لعيبي

الفن الإسلامي والمسيحية العربية

دور المسيحيين العرب في تكوين الفن الإسلامي

دار الريس- بيروت 2001

 

تمهيد ومقدمات منهجية

 

فوراً سيتبادر الى أذهان بعض القراء التساؤل عن علاقة (الفن الاسلامي) (بالمسيحية العربية)، وربما سيجدون علاقة تعسفية بين فنٍ يسمح إطلاق التوصيف (اسلامي) عليه إفتراض انه لصيق بهذا الدين، وبين ديانة أخرى، المسيحية التي تتخذ موقفاً آخر بصدد الفن وبشأن الرسم التشخيصي.

 قبل أن نحدد إطار البحث وحدوده، نود أن نلفت الإنتباه الى أمور ثلاثة :

1-إننا نلاحظ ان تاريخ الفترة الواقعة قبل ظهور الإسلام يظل مجهولاً على نطاق واسع من قبل غالبية القراء العرب. ويبدو وكأن تاريخ المنطقة، تاريخ العرب وتاريخ الديانات التوحيدية الاخرى يبتديء فقط مع ظهور الرسالة الإسلامية السمحاء.

ثمة غموض والتباس في التاريخ القديم، وبالتالي فان ما يسمى لدى المؤرخين (بالفن الاسلامي) يبدو نتاجاً مباشراً طالعاً فحسب من تعاليم الاسلام وممارسات المسلمين.

 هذا التصور يعاني من خلل كبير، لأن جميع تاريخ المنطقة السابق على ظهور الدين الاسلامي يتبقى فاعلاً في المجتمعات التي إهتدتْ الى الديانة الإسلامية، في سوريا والعراق واليمن والجزيرة العربية كلها.

 هذه البداهة ذات نتائج حاسمة.

 2-ثمة غموض شديد لدى القراء العرب اليوم عن الدولة البيزنطية، بصدد من يسميهم التاريخ الاسلامي بالروم، الذين كانوا يعاصرون الدولة الاسلامية الفتية.

لقد حققتْ الدولة الاموية انتصارات عسكرية كاسحة على الروم (أي البيزنطيين) فوق مجمل الاراضي السورية. يتكلم تاريخنا عن انتصارات عسكرية وسياسية لكنه يتناسى غالباً ان يحدثنا عن الثقافة، عن ماهية وطبيعة الثقافة التي كانت سائدة في بلاد الشام يومها. إن التركيبة السكانية والإثنية واللغوية لبلاد الشام الخاضعة للبيزنطيين حينها تظل تعاني من غموض والتباسات شديدة يجب حلّها من أجل فهم المجريات بشكل موضوعي.

  إذا كان تاريخ الاسلام واضحاً الى درجة كبيرة في أذهاننا، وإذا كان تاريخ الروم واضحاً بنفس الدرجة (على الأقل عند الروم أنفسهم)، فإن الفترة الإنتقالية من الهيمنة الرومية (البيزنطية) والسيطرة الإسلامية على المنطقة تحتاج الى تسليط الكثير من الضوء. الشيء ذاته يُقال عن العراق. المثال السوري يؤخذ هنا بسبب شدة وضوحه.

3-إن سوريا والعراق والجزيرة الفراتية التي كانت خاضعة بهذا الشكل أو ذاك الى الحكم البيزنطي والساساني، لم تكن خالية من السكان الأصليين. هؤلاء كانوا إما من الآراميين أو من العرب المسيحيين وهؤلاء سيساهمون في تكوين وإنضاج النتاج الإقتصادي والثقافي في الإسلام، عبر الترجمات أو الحرف والصناعات اليدوية التي كانوا يتقنونها.

ان الحرفة اليدوية هي أصل الفن. وان الفن الإسلامي هو ، في الحقيقة، هذه المنتوجات المعمولة في مُحْتَرَفات ومشاغل الصاغة والخطاطين والنحّاسين والصفارين والخزافين والسيراميكيين والنجارين الذين كان جزءٌ منهم من المسيحيين. هؤلاء بقوا على ديانتهم لقاء ضريبة معلومة، جزية، وظلوا نشطين في إطار الحضارة الجديدة، حضارة الإسلام.

ان الفن الاسلامي متهمٌ بتقليد الفن البيزنطي. لكن الفن البيزنطي، كما سنرى، نتج كذلك من مساهمة جذرية من طرف سكان منطقتنا المسيحيين.

وإذن فان العلاقة الثقافية بين بيزنطة والاسلام على صعيد الفن البصري ليست بحثاً في  موضوع من دون فائدة راهنة، لانه يتعلق بالتساؤل عن التأثير المتبادل، وليس أحادي الجانب بين حضارتين. اننا ننتوي عبر هذا البحث طرح تساؤلات جديدة تتعلق بمدى مساهمة المنطقة السورية وشمال العراق في تطويركل من الفنين البيزنطي والاسلامي.