Shaker LAIBI

شاكر لعـيـبـي

مقطع من كتاب

 

العمى... ما الذي أبقيتَ للباصرة

 

 

الصورة ملتقطة سنة 1976 من قبل الرسام إبراهيم الجزائري وفيها نرىشاكر لعيبي وهاشم شفيق في البصرة القديمة

 

والمرجان يتقلب في الشط السعيد، السمك يقلـِّد مشية القارب والقارب يقلد مشية الهواء والكفوف تصطفق وتصفق في رخاء المياه الجارية في كل مكان، كأن الخلائق تنتظر غرقها السنوي، المتكرر، القادم بعد قليل، الموشك على المجيء من هذه الجهة عينها. وهو يرفع الصينية المزدانة بالشموع من أجل إحتفالات الخضر الذي سيخضّر المكان بترداد اسمه، نفث الخضر في فيه، ونفث هو في فم بويب وبويب كان ينفث في فم الجارات السمينات الرطبات المنتظرات. الشرفات تطفو في الهواء، والمشربيات تتعانق، تتعانق بعنف....

بسبب المشربيات التي سيطلق عليها لاحقاً الشناشيل وقعت في البصرة سنة 17 هـ واقعة جنسية وصل صداها إلى مركز الخلافة : كان الوالي المغيرة بن شعبة رجلاً شبقاً. وكان له جار اسمه أبو بكرة "ينافره عند كل مايكون منه، وكانا بالبصرة، وكانا متجاورين بينهما طريق. وكانا في مشربيتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى. فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته، فهبت ريح، ففتحت باب الكوة فـقام أبو بكرة ليصفقه، فبصر بالمغيرة <الوالي> وقد فتحت الريح <أيضاً> باب كوة مشربته، وهو بين رجلي امرأة. فقال للنفر: قوموا فانظروا، فقاموا فنظروا، ثم قال اشهدوا. قالوا: من هذه؟. قال : أم جميل ابنة الأفقم، وكانت أم جميل إحدى بني عامر بن صعصعة، وكانت غاشية للمغيرة، وتغشى الأمراء والأشراف وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها… " انظر تتمة القصة الممتعة للغاية لدى الطبري ج4 ص69-72.

هسيس المطحنة البخارية يتناهى من تلك الجهة. رغد التنومة التي تنام على الحدود. القدور تغلي والقرص ينضج في التنور والدم يصعد في عروقه وهو يتقدم. يتقدم. اجتاز سبعة أميال فحسب. القطار العتيق ينام في سجن المعقل. الأرض رخوة. رخوة ومالحة وحمراء، لابد أن أقدام الغزاة الأوائل قد إستسلمت لغواياتها. البصرة القديمة. الأقواس معلقـة في المشهد، محكمة التقوُّس، كأنها تستعير من القبة شيئاً، من الهلال. اولى الليالي الألف تقف مباشرة خلفهما في الصورة. انظروا إلى بخارات القيظ تتصاعد وتمنح المشهد أساهُ وغموضه.

جاء في اللسان ج1 ص 292: "البصرة الحجارة التي ليست بصلبة، وأرض فلان بصرة إذا كانت فيها حجارة تقطع حوافر الدواب. والبصرة الأرض الطيبة الحمراء، والبصرة : أرض حجارتها جصٌ وبها سميت البصرة. وبصرالقوم تبصيرا : أتوا البصرة. قال غُذافر


"بـصريـةٌ تزوجت بصـريا
يـُطـعمها الـمالح والطريا"

المالح والطري في فم الزمان، مرسومين وشمين فوق عضلات البحارة البصريين، النحويون يجدلون ضفيرة اللغة بصرةً بصرةُ، وهو يتقدم في المالح والطري، السمك مالحٌ والزمان طريٌ. متى ينتهي الزمان إذن ؟ 

 

Retour à la page d'accueil