Shaker LAIBI
دعوة لإلغاء مهرجانات الشعر العربي
أو ما هي وظيفة الشعراء ؟
هل يمارس الشعر سلطة روحية وأخلاقية معينة، أياً كان مستوى حجمها ؟ هل يمتلك الشعراء قدرة أخرى مؤثرة بصفتهم الضمير، المعلن والمستتر، لأمة من الأمم في لحظاتها المجيدة أو بُرْهاتـها الوجودية المنكسرة؟ وإذا ما كان هذا هو الحال فكيف يعبرون عن هذا الضمير، عبر أي المنابر وأي الطرق ؟ وهل ان الوسائل المتاحة كلها، مثل المهرجانات ذات التقاليد القديمة والأنترنيت الحديث، هي وسائل الشعر من أجل إيصال تلكم الرسالة الخفية والحكيمة والملغزة التي هي جوهره؟
ألا توجد مفارقة، بل تناقض، بين وظيفة إفتراضية عالية مثل هذه للشعر وما يحدث في مهرجانات الشعر العربي الراهنة، حيث كل شيء مهمٌ في المهرجان ما عدا، ربما، رصانة النص ووظيفته الجمالية والانسانية
إننا في الغالب أمام نوع من التظاهرات العربية التقليدية، نوع من (ديوانية) لإجتماع اصحاب الشأن، لكن في حالة الشعر، من الذين لم يجرِ حتى انتخابهم ديمقراطياً لتمثيل بلدانهم. اننا ازاء إحتفال من طبيعة اجتماعية يتستر بالشعر تستراً. المدعوون هم غالباً من اؤلئك الرجال الذين يمتلكون (سلطة) ملموسة، مهما كانت طفيفة، سلطة فعلية وليست مجازية (كما ليست سياسية بالضرورة): سلطة الكاتب والمحرر الثقافي مسموع الصوت والمقرر، سلطة الموظف الرسمي في اتحاد من اتحادات الأدباء العرب، سلطة المسيَّس المكلف بإدارة قوانين اللعبة الأدبية في بلده طالما انه يمارس هواية كتابة الشعر من بين هواياته الاخرى، ثم سلطة الرجل العارف بكيفية إدارة العلاقات الاجتماعية المستخدمة، بالطبع، لصالح مجده الشخصي. وثمة، من دون نأمة من الشك، مدعوون ومساهمون هم شعراء حقيقيون من الطراز الرفيع. غير ان هؤلاء لا يشكلون بنية (الديوانية) تلك ولا طبيعة الظاهرة الإحتفالية الشعرية الموصوفة
ما الذي يفعل الاخوة الشعراء الأفاضل المجتمعون في مهرجانات الشعر العربي على هذه القاعدة ؟
هل قدموا من أطراف الأرض لفحص القصيدة وإعادة فحص النصوص الشعرية وتقديم قراءات مثمرة للجمهور أم جاءوا لأمر آخر لا علاقة له بالشعر أو ان علاقته به طفيفة
نظن أن الأمر يتعلق بجو احتفالي، اجتماعي، طقسي، جو ودي قبل أن يكون شعرياً، شعائرياً وليس شعرياً. إننا في بهاء الرحلة السياحية وفي نطاق التعارف الأخوي الودود وفي أبهاء اللقاء الصداقي التاريخي ولسنا في مقامات الشعر. هذا ما تبرهنه حتى بعض الملاحظات الصحافية المكتوبة أو الشفاهية من طرف شعراء كانوا مدعويين الى تلك المهرجانات الشعرية
إنه لأمر جلل إذن أن لا يحضر الشعر وتحضر أطياف شعرية يكفى أن تُدعى للحضور حتى تتوهم في نفسها الأوهام
علينا أن نقول انه في جميع اللقاءات والمهرجانات الشعرية الأوربية والأمريكية والمتوسطية، ثمة نزعة من إحتفالية، طقسية، شعائرية وسياحية كذلك. سوى ان الفارق الجوهري يتبقى في أن المدعوين في المهرجانات العربية لا يخضعون على الدوام لتحقق شروط (الشاعر) أو (الشاعرة) طالما ان الخيارات تتم على أرضية من المصالح ومن المصالحات وتبادل المنفعة الأضيق من خرم الإبرة
هذه الفعاليات المكلفة مالياً تطرح بجدية سؤال وظيفة الشاعر العربي اليوم. فإذا كانت نيتها إحياء ازمنة العرب الكلاسيكية في (عكاظ) و(المربد) فان هذه لأسواق - وبالفعل كان ثمة سوق تجاري تحاذيه فعاليات شعرية-كانت تستهدف الى نقد النص الشعري ونقل الحكمة في الارض. إن تغيرا حاسماً في الشروط التاريخية في حياة العرب لم يعد يسمح باستعادة حرفية، حنينية (نوستالجية) لتلك الاسواق واعادة احياء تجارب منقرضة. أما إذا كان الهدف منها تنشيط التبادل الثقافي بين ابناء أمتنا وغرس روح التضامن بينهم عبر الشعر فاننا امام هدف من طبيعة لا شعرية بالكامل، وهو أمر يبرهنه، للاسف، أكثر من مهرجان شعري عربي تستهدف، خاصة في بعض البلدان الغنية، الى الترويج لأفكار وسياسات وأيديولوجيات محددة بين شعراء الأمة العربية
لنعِد السؤال : ما هي وظيفة الشعراء العرب الفعلية اليوم ؟
نرى، في سياق هذا السؤال نفسه، قطيعة عميقة، مبَرْهَنة بألف شاهد، بين منطق الشعر الداخلي ومنطق هذه المهرجانات. قطيعة دالةٌ لجهة إعلانها ان وظيفة الشعراء في ثقافتنا غير معروفة اليوم ومضببة بل ضائعة. لا نتكلم بالطبع عن (وظيفة) رسمية بل عن (مهام) الشعر الروحية والأخلاقية والمعرفية التي تتراجع بها هذه المهرجانات الى مستوى لا يقبله الشعراء الرصينون
هؤلاء موجودون بين ظهرانينا ويقومون بعمل غير مرئي للعين الباحثة عن البهرج. إنهم يراقبون المشهد من بعيد وبصمت. إن صمتهم يعني كذلك ان حضورهم ضروري لصحتنا النفسية ومؤثر في فعلنا الأدبي المباشر