عن أكذوبة الكتب العربية الأوسع انتشاراً

شاكـر لعـيـبـي

Slaibi@perso.ch

 

 

 

ما هي الآليات والضوابط الموضوعية التي تقيس بها المكتبات العربية الكتب الأوسع انتشاراً؟

من أجل تحديد دقيق للموضوع، لنقل في البدء ان تقليد نشر لوائح للكتب المقروءة على نطاق واسع هو تقليد أوربي-أمريكي يخضع لمعايير صارمة قادمة من إرث ثقافي مختلف ووظائف أخرى للكتابة. لكنها قادمة اولاً من ترسُّخ مؤسسات النشر التي تقوم، ثانياً، على اساس تجاري محض . فترسخها في الوعي الثقافي العام يمنحها آليات عمل المؤسسة ذات العراقة التاريخية وذات الضوابط الداخلية، خاصة لجهة تخصص العاملين بها وتقسيم العمل بينهم في داخل جهازي النشر والتوزيع، كما ان قيامها على أساس تجاري (مقارنة بألف دعم ودعم للكتاب في بلداننا) يدفع دفعاً بهذه المؤسسات الى احتضان الكتاب والترويج له ومراقبة حركة توزيعه وكميات مبيعاته طالما يشكل مورد ربحها الاساسي. الكتاب هنا إذن سلعة تجارية تُعامل، حالما يخرج من المطبعة، على أساس اقتصادي كونه نظير لأية سلعة أخرى تخضع لقوانين الطلب والعرض المحسوبة رياضياً. من ذلك كله تأتي ضرورة ما يسمى بمؤسسات التحقق من الانتشار. في هذه الآليات يمكن، بدقة، معرفة الكميات التي يباع فيها كتاب من الكتب. ما هو الحال لدينا ؟ لا شيء من ذلك كله.

نلاحظ اولاً ان المكتبات العربية في أوربا هي الوحيدة، تقريباً، التي تدأب على نشر إسبوعي للكتب التي تزعم انها الأكثر رواجاً، وليس المكتبات في العالم العربي نفسه. مما له دلالة في هذا المقام (وما يكشف من جهة أخرى، منذ اللحظة، زيف تلك المزاعم) ان الكتب المباعة بوفرة حقيقة في العالم العربي لا تظهر على لوائح هذه المكتبات، كأنما هناك قارئين وعقليتين عربيتين، الأولى في داخل العالم العربي تقرأ بنهم روايات أحلام مستغانمي (التي هي فعلاً وحقاً الأوسع انتشاراً) وثانية في خارج العالم العربي لا تقرأ لمستغانمي ويظهر بدلا عنها كتاب بالفرنسية للعراقي شاكر لعيـبـي مثلاً (وهو ما فعلته حقاً أحدى المكتبات العربية في سويسرا).

في القائمة التي تدأب على نشرها يوم الاربعاء من كل اسبوع صحيفة عربية في لندن مقروءة على نطاق واسع وتضم الكتب الاكثر مبيعا لاربع مكتبات عربية، الاولى في لندن والثانية في باريس والثالثة في جنيف والرابعة مكتبة عربية في واشنطن، يمكن استثناء مكتبة الحكمة الأمريكية من تحليلنا الحالي. لقد لاحظنا بعد تتبع دقيق لما نُشر طيلة السنوات الثلاث الأخيرة التالي:

  1. ان هذه الكتب ليست البتة كتباً جرى التحقق من سعة انتشارها ومبيعاتها، انما هي في المقام الاول وفي أحسن الأحوال خيارات الاشخاص القائمين بالاشراف على هذه المكتبات وما يتمنى هؤلاء المكتبيون ان يقرأوه جمهورهم. انهم إذن يقومون، عبر الزعم بان خياراتهم هي الكتب الاكثر مبيعاً، بعملية ترويج لكتب محددة. تعكس تلك الخيارات المزاج الشخصي (الذي لا نشك برصانته) والأفق المعرفي (الذي لا نشك بعمقه) والاتجاه السياسي (الذي لا نشك بوطنيته وصدقه) للمكتبيين في اوربا ولا يعكس، موضوعياً، حركة البيع والشراء الفعلية للكتاب العربي. دون ان يعفينا هذا الامر من القول ان بعض الكتب المعلنة ككتب أكثر مبيعاً هي من الكتب الكاسدة أو المخزنة بكميات كبيرة وتتمنى المكتبة ايجاد مشترين لها.

  2. ان بعض مؤلفي هذه الكتب هم من المقيمين في البلدان التي توجد فيها تلك المكتبات. وبعبارة فصيحة صريحة فانهم أصدقاء المكتبيين ومن المقربين اليهم. يتعلق الامر لذلك بإخوانيات لا علاقة وثقى لها بأهمية المؤلف وسعة انتشار كتابه. في جنيف جرى، بمناسبة واخرى، إدراج جميع المؤلفين العرب المقيمين في المدينة على اساس انهم من المبدعين الأكثر مبيعاً (بما فيهم كاتب هذه السطور من دون استشارته).

  3. صحيح ان بعض تلك الكتب أحسن حالاً من غيرها من الزاوية التجارية. سوى انه في سياق السوق العربية للكتاب يكون من الصعب جداً إطلاق تسمية (كتاب أكثر مبيعاً) على كتاب يبيع 5 نسخ لا غير في المكتبة الواحدة مقارنة بكتاب لا يبيع شيئاً على الاطلاق في نفس المكتبة. ان معيار (الأكثر مبيعاً) هو هذه النسخ الخمس لا غير في حين ان التسمية تطلق اوربياً وأمريكياً على كتب تبيع الآلاف بل الملايين من النسخ. اين نحن من ذلك؟

  4. البعض من تلك الكتب هي من منشورات المكتبات نفسها. وإذن فاننا أمام حملة اعلامية تتستر بالموضوعية من اجل الترويج لمنشوراتها.

  5. تلك الخيارات تستهدف كذلك الجماعات العربية المتواجدة بوفرة عددية في اوربا. ففي الكتب الاكثر مبيعاً لمكتبة لندنية لا نعدم كل اسبوع كتابا او كتابين عن العراق ضمن الكتب الاكثر مبيعاً، وذلك بسبب معرفة صائغي القائمة بكثافة التواجد العراقي في لندن واهمية استدراجه، زبوناً، الى المكتبة تلك.

هذه الملاحظات يمكن ان تبرهن، إذا استدعت الحاجة، بالأدلة الدامغة والاحصاءات التي قمنا بها طيلة سنوات لقائمة الكتب الاكثر مبيعاً، كما تُبرهن بالشواهد العيانية واسماء الكتب والمؤلفين كما بأرقام المبيعات التي تفند، ببلاغة، كل ادعاء.

 

العودة الى صفحة المقالات

Retour à la page d'accueil